المجاهدين ، وفي هؤلاء ـ بين الضّعفاء ، والأصحاء (١) ، والحقّ أنّهم جميعا قد وضعوا تحت عنوان (المؤمنين) ، وأنّهم موعودون أجمعين بالنعيم الأخروي ، ولكنهم ليسوا جميعا في درجة واحدة.
ومن ثمّ لم يقل القرآن جملة : إنّ أولئك الّذين يجاهدون فعلا هم أسمى من الآخرين ، ولكنه يلون هذا السّمو تبعا للحالة : فتارة تكون (درجات كثيرة) [بالنسبة إلى الأصحاء من المؤمنين] ، وتارة هي (درجة واحدة) [يفضلون بها الضّعفاء]. وهنا يكمن برهاننا ، إذ من أين تأتي درجة هذه الرّفعة ، أو درجاتها ما لم تكن من ذلك الفرق بين الجهود المبذولة ، والتّضحيات السّخية ، بين الّذين يجاهدون بنياتهم فحسب ، وأولئك الّذين يبذلون «أموالهم وأنفسهم».؟ ذلكم هو ما يقوله لنا النّص هنا أيضا ، قوله تعالى : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً) (٢) ، وهو ما يقرره نصّ آخر بقدر من التّحديد أكبر : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣).
__________________
(١) قال المفسرون : يجب أن يقصد بهم فقط أولئك الّذين لا يلزم حضورهم على خط القتال ، من أجل الدّفاع المشترك.
(٢) النّساء : ٩٥ ـ ٩٦.
(٣) التّوبة : ١٢٠ ـ ١٢١.