وبهذا الإعتبار سوف أمضي إلى فعله. وعند ما أكون بسبيلي إلى أدائه أعرف أنّ ذلك هو واجبي ، فأفعله عن وعي ، وبقصد ، ونيّة.
ولكن ، لما ذا أفعل واجبي ، وفي سبيل أي هدف؟.
هذان السّؤالان : ما ذا؟ ولما ذا؟ لا ينفصلان قط في عمل من أعمال الإرادة يدرك ذاته على سبيل الكمال. ترى ، هل تندمج الإجابة عنهما في شيء واحد فحسب؟ .. إنّهما لا يواجهانا بنفس الدّرجة من الإلحاح فحسب ، ولكن الإجابة الّتي نعطيها للثاني هي الّتي تفرض الإجابة عن الأوّل. أي أنّ الغاية تفرض الوسائل (ولا أقول إنّها تسوغها ، لو كانت ظالمة في ذاتها).
وموضوع دراستنا هذه هو أن نعرف : ما الأهمية الّتي تلصقها الأخلاق القرآنية بهذه الإجابة؟ .. هل تبدو هذه الأخلاق لا مبالية بكلّ الغايات الّتي قد تقصد إليها الإرادة حين تطيع أوامر الأخلاق؟ .. وفي حالة النّفي ـ ما الغايات الّتي تعتبرها هذه الأخلاق غير مسوغة مطلقا؟ وما الغايات الّتي ترتضيها ، أو تسمح بها؟ وما المبدأ الأسمى الّذي ينبغي أن يلهم أعمالنا؟ .. وهل هذا المبدأ المثالي مطلوب أيضا في كلّ الأعمال؟ أو أنّ ذلك يتفاوت كثرة وقلة ، بحسب ما إذا كان يتعلق بواجب ، أو بمجرد طريقة للعيش الفردي ، في الظّروف العادية جدا المتصلة بحياتنا اليومية؟.
إننا حين نجيب بطريقة واضحة ، ومحددة على مثل هذه الأسئلة ، وحين لا نتوقف عند العموميات ـ يمكننا بذلك أن نقدم النّظرية الأخلاقية للقرآن في هذا الصّدد ، تقديما دقيقا.