الدّرجات ، وذلك مثل الكمال الذاتي ، والتّضحية من أجل الآخرين ، هذا الخير الأخلاقي لا يبرز في القرآن على مستوى النّيّة إلّا كقيمة من الدّرجة الثّانية ، كإضافة خاضعة للمبدأ الأسمى ، ألا وهو : رضوان الله العلي الأعلى.
ـ وإذن ، فما ذا يبقى لكي نخص به الفطرة ، على صعيد القيم الأخلاقية؟
ـ لا شيء.
ـ ألا يوجد استثناء من أجل البحث عن السّلام ، وعن السّعادة الموعودة؟
ـ لا ..
ـ ولكن ، فيم إذن الخلاف في هذا الصّدد بين المتطرفين ، والمعتدلين؟ ..
ـ هذا الخلاف لا ينصبّ إلّا على طرف جانبي من المسألة ، ولا يقلل صرامة النّتيجة الّتي انتهبنا إليها في شيء. فبعضهم يرى أنّ ما سوى المبدأ الأسمى ذل ودناءة ، وضياع للقيمة ، وآخرون يرون أنّه تفاهة ، ونفي للقيمة.
فالذين يبحثون عن القيم العليا ، الخالدة ، مفضلين إياها على الملذات العابرة ، يعرفون ، بكلّ تأكيد ، الشّروط الواجب توفرها لهذا الإختيار ، فإنّ المقاعد محجورة للقلوب المخلصة ، المتوجهة إلى الله.
فليس يكفي إذن أن يكون للإنسان نشاط مستنير ، واع بذاته ، وبعلاقته بالشرع ، يقظ للأمر الإلهي كنموذج يتبع ، وإنّ انقاد لمبدأ آخر غريب عنه ، بل يجب أن يكون هذا النّشاط متحركا ، مهتديا ، متأثرا بهذا الأمر العظيم ذاته.
يجب أن يصبح هذا الأمر ، للنظر المتأمل محركا.
يجب أن يتحول هذا النّور إلى قوة.