الّتي نلقاها على طريق الحياة ، حتّى الموت (١) ، ولا يفتأ القرآن يذكرنا بهذا الظّرف الملازم للطبيعة الإنسانيّة ، في مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (٢).
ولكن فوق هذا الجهد «الطّبيعي» الّذي تفرضه الغريزة جهدا آخر ، يقتضيه «العقل» ، ويجب أن يسخر لخدمة «المثل الأعلى».
هذا النّوع من الجهد ، هو الّذي نزمع دراسته في الأخلاق الإسلاميّة.
وأوّل ما نقوله هو : أنّ المطالبة بإستخدام الطّاقة الأخلاقية قد ترددت كثيرا في القرآن ، ففي كلّ موضع منه نستمع إلى دعوة إلى هذا الجهاد الثّابت المستمر ، سواء من أجل فعل الخير ، ومقاومة الهوى ، أم لإحتمال الشّرور ، وكظم الغضب ، أم لأداء واجباتنا الدّينية.
والحقّ أنّ الله سبحانه وتعالى لا يفرض علينا أي تكليف فوق وسائلنا ، ولكن ذلك لا يمنع أنّه يحثنا على طاعته «بكلّ» ما نملك من «قوانا» : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (٣).
والقرآن يدعو إلى أن نبذل هذا النّشاط ، ونمده على طريق التّقدم الأخلاقي الصّاعد ، وهي دعوة يصوغها في تشبيه مجازي جميل ، وهو يقول : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ،) ثمّ يبين حقيقتها : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ
__________________
(١) اقرأ ، ١ ـ La philosophie de L\'effort : Sabtier
(٢) الإنشقاق : ٦.
(٣) التّغابن : ١٦.