وليس ينقص من صدق هذا القول ـ من ناحية أخرى ـ أنّ النّفس الإنسانيّة ، على الرّغم من وجود استعدادها بكلّ هذا الجهاز ، تظل دائما قابلة للترقي ، والتّردي ، للإزدهار ، والذبول ، بتأثير إرادتها الخاصة : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١).
ومن ثمّ تنبع الضّرورة الأخلاقية ، أن يعمل الإنسان ، وأن يتحمل مسئوليته : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢).
بيد أنّ مفهوم «الجهد» لا يتحدد بوساطة «العمل بعامة» ، بل «بالعمل المؤثر الفعال» بخاصة ، الّذي موضوعه : «مقاومة قوة ، أو قهر مقاومة» (٣) ، وهو تعريف متوافق ابتداء مع المعنى المادي ، ولكنه يجب أن يتوافق أيضا مع المعنى الأخلاقي. والتّماثل بين المجالين واضح جلي ؛ فعلى صعيد الإبداع الخيّر يصادف الفكر غالبا في الموضوع ، وفي نفسه ، عقبتين ينبغي أن يتخطاهما : خمود المادة الّتي يجب تحويلها ، ونقص الهمة في الإرادة الفاعلة.
والأمر كذلك عند ما يجب الإمتناع عن الشّر ، في مواجهة القوى الّتي تدفعنا إليه. ففي هذه الحالات جميعا لا يكفي أن «نعمل» ، بل يجب أن «نجاهد بقوة وإصرار».
لقد كان وجودنا العضوي ، والمادي صراعا مستمرا ضد جميع أنواع الشّرور ،
__________________
(١) الشّمس : ٩ ـ ١٠.
(٢) التّوبة : ١٠٥.
(٣) انظر ، ١ ـ Dictionnaire Littre.article : effort.