التّطور.
فضرورة تدخلنا المؤثر تنطوي إذن على مسلّم مزدوج ، هو أن الكائن الأخلاقي قد خلق ناقصا ، وقابلا للكمال في آن ... فهو بذرة تنطوي على جميع عناصر الكائن بأكمله ، وتشتمل تقديرا ، وفي حيز القوة ، على شروط نموها كلّها ، ولكنها في إنتظار ظهور عمل حرّ ، وإرادي ، حتّى تحول هذه الشّروط التّقديرية إلى واقع فعلي.
فأمّا أنّ هذه فعلا هي حالة الكائن الأخلاقي فذلك هو ما يبدو أنّ القرآن قد دل عليه دلالة كافية بالآيات الآتية :
فمع أنّ الإنسان ـ من ناحية ـ قد ولد محروما من جميع المعارف العقلية والحسية ، فإنّه قد زود بملكات قادرة على أن تقدم له ما يتمنى من هذه المعارف : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١). ومتى ما صاغ الله نفس الإنسان ، وسواها استودعها فكرتي الخير ، والشّر : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٢).
فذلكم هو مجموع الوسائل الّتي تتصرف فيها كلّ نفس إنسانية ، وبفضلها تستطيع أن تتصور مباشرة المثل الأعلى الّذي تسعى إليه ، وأن تشعر بالرغبة في بلوغه ، وأن تلتزم بتحقيقه بذاتها.
__________________
(١) النّحل : ٧٨.
(٢) الشّمس : ٧ ـ ٨.