أعطى ، وكلّ شيء عنده بأجل مسمى ، فمرها فلتصبر ، ولتحتسب ، فعاد الرّسول فقال : إنّها قد أقسمت لتأتينها ، قال : فقام النّبي صلىاللهعليهوسلم ، وقام معه سعد بن عبادة ، ومعاذ ابن جبل ، وانطلقت معهم ، فرفع الصّبي ، ونفسه تقعقع ، كأنّها في شنّة (١) ، ففاضت عيناه ، فقال سعد : ما هذا يا رسول الله؟ .. قال : «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء» (٢).
وهذه الظّاهرة نفسها حدثت عند ما : «اشتكى سعد بن عبادة شكوى له ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعوده مع عبد الرّحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن مسعود ، فلما دخل عليه وجده في غشيّة ، فقال : أقد قضى؟ قالوا : لا يا رسول الله ، فبكى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما رأى القوم بكاء رسول الله رضى الله عنه بكوا ، فقال : ألا تسمعون ، إنّ الله لا يعذب بدمع العين ، ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا (وأشار إلى لسانه) أو يرحم» (٣).
ومع ذلك فإنّ أحيا المشاعر ، وأعمقها لا تتفجر عنده في هذا المواقف العادية المألوفة ، فلقد كان لإهتمامه بنجاة النّاس ، والآلام الّتي يحسها حين يرى ضلالهم ، كان لذلك تأثير موجع على نفسه ، والقرآن يخاطبه بقوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ
__________________
(١) قوله تقعقع ، حكاية صوت نزع الرّوح ، والشنّة : القربة البالية ، أي : كأنّ روحه تتقلب في جسد ممزق ، لا تستقر في مكان منه. «المعرب». انظر ، لسان العرب : ٢ / ١٩٥ ، الغريب لابن سلام : ٢ / ٤٠.
(٢) انظر ، صحيح مسلم : ٢ / ٦٣٥ ح ٩٢٣ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٣٨٦ ، صحيح البخاري : ١ / ٤٣١ ح ١٢٢٤ و : ٦ / ٢٤٥٢ ح ٦٢٧٩ ، مسكن الفؤاد للشهيد الثّاني : ٩٥ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ٢٠٨ ح ٤٦١ ، مجمع الزّوائد : ٣ / ١٨ ، سنن البيهقي الكبرى : ٤ / ٦٥ ح ٦٩٢١ و ٦٩٤١ ، بحار الأنوار : ٧٩ / ٩١ ، سنن أبي داود : ٣ / ١٩٣ ح ٣١٢٥ ، السّنن الكبرى : ١ / ٦١٢ ح ١٩٩٥.
(٣) انظر ، المراجع السّابقة ، والمعتبر للمحقق الحلي : ١ / ٣٤٤ ، الذّكرى للشهيد الأوّل : ٧٠ ، مسكن الفؤاد : ٩٥.