الإنهماك في المقاومة ، وأن يحقق نوعا من التّوازن الدّاخلي ، أو يقترب منه بقدر الإمكان.
وهاك مثلا من بين ألف أخرى تصدّق هذه الحقيقة ، وقد سيق إلينا في القصة التّالية الّتي يستبطن فيها أبو محمّد المرتعش ذاته :
فلقد كان من عادة هذا الصّوفي أثناء حجّه السّنوي أن يفرض على نفسه كلّ أنواع المشقات ، كان يحتمل الجوع ، والتّعب ، دون أن يشعر بأي اعتراض في نفسه ، حتّى ظن أنّه قد أصبح متحكما في ميوله الغريزية ، إلى أن وقع حدثه تافه فتح له عينيه ، ولنتركه يتحدث ، قال : «وذلك أنّ والدتي سألتني يوما أن استقي لها جرة ماء ، فثقل ذلك على نفسي ، فعلمت أنّ مطاوعة نفسي في الحجات كانت لحظّ ، وشوب لنفسي ، إذ لو كانت نفسي فانية لم يصعب عليها ما هو حقّ في الشّرع» (١) ، وما لبث صاحبنا في استعادته لما قام به أن أدان كلّ أعماله السّابقة ، وأدرك أنّ مهمته لما تكن قد بلغت غايتها.
«فالهدف من الجهد إذن هو تقليل الجهد» ، وأعظم ميزة نحصل عليها منه هو أن يجعلنا مستقلين عنه شيئا فشيئا ، وذلك في نفس الوقت الّذي يجعلنا فيه أكثر
__________________
(١) انظر ، الرّسالة القشيرية : ٤٩ طبعة سنة ١٩٥٧ م ، وأخبار أبي محمّد المرتعش ورد بعضها متناثرا في هذه (الرّسالة). وجاءت مجموعة في (طبقات الصّوفية) لابن عبد الرّحمن السّلمي : ٣٤٩ وما بعدها ، بتحيق الشّيخ نور الدّين شريبة ، وفي الطّبقات الكبرى للشعراني : ١ / ١٠٥ طبعة الحلبي ، وقد كان رضوان الله عليه شديدا على نفسه ، كثير الشّك في عمله ، وكان يقول : «سكون القلب إلى غير الله عقوبة عجلها الله للعبد في الدّنيا» ، وروي أنّه اعتكف مرة في العشر الأخير من رمضان فرأى المتعبدين يتهجدون ، والقراء يقرأون ، فقطع الإعتكاف ، وخرج ، فقيل له في ذلك ، فقال : لما رأيت تعظيمهم لطاعتهم ، واعتمادهم على عبادتهم لم يسعني إلّا الخروج ، خوفا من نزول البلاء عليهم. «المعرب».