لو أنّ الصّدفة لم تسهم بجانب من العمل ، صغر أو كبر؟ .. ولقد قيل في المثل : إنّ عندليبا واحدا لا يصنع الرّبيع (١).
ولا شك أنّ هذا هو السّبب في أنّ أرسطو قد وضع الفضيلة في طائفة العادات. فلنترك إذن الظّروف تتغير ، ولندع الفرصة تسنح في أشكال مختلفة ، فإذا ما حصلت على نفس النّصر ، فحينئذ أستطيع أن أنشرح له ، ولكنه ليس انشراحا كاملا أيضا.
ذلك أنّه ، إذا كنت في كلّ مناسبة ينبغي أن ألجأ إلى نفس مصادر الدّعم ، وأن أعاني نفس المصاعب ، حتّى أضمن لنفسي المطابقة الأخلاقية في سلوكي ، فإنّي أؤكد بذلك أنّ صفة الّتمرد في فطرتي تبقى كاملة ، إن لم أقل : إنّها بدت عاجزة عن أن تتطور. ولعل المثال الكلاسيكي عن الطّفل الّذي يحاول أن يغرق كرته في الماء دون جدوى ـ يعطينا صورة كاملة عن هذه المحاولات المتماثلة دائما ، دون أن تحرز تقدما.
لسوف يبذل المسكين قصاراه ليغرق كرته ، ولسوف تثب كرته وتطفو كلما تركها ، إلّا أن يخرقها ، أو يربط فيها ثقلا.
ولسنا نغالي مطلقا ، حين نؤكد أنّ كلّ الإهتمام الأخلاقي ، كما وصفه المتصوفة المسلمون ، كان موضوعه على وجه التّحديد أن يوقف ضرورة هذا
__________________
(١) هذا المثل بالفرنسية هو :(une hinon delle ne fair pas le printemps)
والمراد به أنّ عملا واحدا لا ينهض مطلقا بتقييم الإنسان والحكم عليه ، كما أنّ وجود طائر واحد من هذا النّوع لا يسوغ الحكم بأنّ الدّنيا ربيع ، أي أنّه لا بد من كثرة الأعمال ، كما لا بد من آلاف من العندليب للتبشير بالربيع. «المعرب».