وليس من العسير أن نرى ـ في الواقع ـ من خلال النّزاع الّذي يقابل بين قوى متنافرة على هذا النّحو ـ انتصارا يبدو ، أو يتجلى في خطوطه العريضة ، ونقول فقط : «في خطوطه العريضة» ، لأننا لسنا بصدد عمل خاص تبلور بصورة ما ، ويقبل عليه الإنسان عند الإقتضاء بطريقة مباشرة وآلية ، بل هو مجرد وجهة يدل عليها بصورة إجمالية مبسطة ـ الإتجاه الأكثر نضجا وتطورا.
والآن ، ما قيمة العمل الّذي يؤدى في الظّروف الّتي وصفناها؟ ...
إنّه عمل ، لا هو بالتلقائي المحض ، ولا هو بالكسبي الكامل ، فهو ثمرة قوتين متضافرتين : الفطرة ، والشّخص ، كما هي الحال في كلّ عمل إنساني آخر ، مع مقادير مختلفة ، ولكن ألا ينبغي أن ينقص الثّواب الشّخصي كلما زاد إسهام الفطرة؟ ..
هذا هو السّؤال.
إنّ هناك أوّلا حالة تبدو فيها ـ بداهة ـ استحالة القول بالإيجاب ، وهي حالة الرّجل الوسط الّذي يحرز التّقدم ، وتعتبر هذه المرونة الفطرية بالنسبة إليه كسبا للإرادة ، فلنقف الآن أمام هذه الحالة.
أليس بخسنا للعمل الأخلاقي الّذي أصبح ميسورا نسبيا ، معناه أننا ننكر الجهد ذاته ، في خير نتائجه؟ ..
لقد طالما ذكرنا أنّ الغاية من الصّراع لا تكمن في الصّراع نفسه ، بل في النّصر الّذي يسفر عنه. ومع ذلك فلا ينبغي لهذا النّصر أن يحمل على معنى عرضي ، أو صدفي ، فإذا كنت للمرة الأولى أصارع ضد إغراء معين ، واستطعت أن أفلت منه فليس ذلك سببا كافيا لأن أمنح لقب المنتصر ، فمن ذا الّذي يدري ما ذا كنت أكون