لقد عرفت الأخلاقية أحيانا بأنّها : «فن السّيطرة على الأهواء» ، وهذا التّعريف ناقص ، لأنّه لا يعبر إلّا عن الجانب السّلبي ، والوجه الأدنى قيمة من العمل ، بل إنّه في رأينا مرحلة تمهيدية. فالأخلاق بالمعنى الكامل للكلمة هي أيضا ، وبصفة خاصة مشروع لتحقيق القيم الإيجابية ، وصيغة أمرها المبدئي ليست : (كفّ نفسك عن الشّر) ، بل هي : (افعل الخير). وكلّ ما في الأمر أننا نجد أنفسنا أحيانا ، وبشكل ضمني ، مضطرين إلى أن نوجه هجومنا ضد العدو ، الّذي يروم تحويل أنظارنا عن هدفنا الأساسي.
وحسبنا لكي نقتنع بهذا أن نقرأ هذا التّدرج في الوصايا الإسلاميّة :
فعن أبي موسى الأشعري قال : قال النّبي صلىاللهعليهوسلم : على كلّ مسلم صدقة ، قالوا : فإن لم يجد؟ قال : فيعمل بيديه ، فينفع نفسه ويتصدق. قالوا : فإن لم يستطع ، (أو لم يفعل)؟ قال : فيعين ذا الحاجة الملهوف. قالوا : فإن لم يفعل؟ .. قال : فيأمر بالخير (أو قال : بالمعروف). قالوا : فإن لم يفعل؟ قال : فيمسك عن الشّرّ ، فإنّه له صدقة» (١).
هذا ومن الأمور الشّائعة تشبيه الأخلاق بالطب ، فأحدهما للنفس من حيث كان الآخر للبدن.
وإذا كان فن الطّب لا يكتفي بأن يكون موضوعه أن يعالج الحالة المرضية
__________________
(١) هكذا الحديث كما جاء في صحيح البخاري : ٢ / ٥٢٤ ح ١٣٧٦ و : ٥ / ٢٢٤١ ح ٥٦٧٦ ، وفيما ذكره المؤلف في الهامش بعض إختلافات. انظر ، شعب الإيمان : ٣ / ٢٠٣ ح ٣٣٢٦ ، الرّسالة السّعدية للعلّامة الحلي : ١٥٧ ، الأدب المفرد : ١ / ٨٨ ح ٢٢٥ ، مستدرك الوسائل : ٧ / ٢٤٢ ، صحيح مسلم : ٢ / ٦٩٩ ح ١٠٠٨ ، سنن البيهقى الكبرى : ٤ / ١٨٨ ح ٧٦١٠ و : ١٠ / ٩٤ ، السّنن الكبرى : ٢ / ٣٥ ح ٢٣١٨ ، مسند أحمد : ٤ / ٣٩٥ ، سنن النّسائي (المجتبى) : ٥ / ٦٤ ح ٢٥٣٨ ، عوالي اللئالي : ١ / ٣٦٩.