البدني ، بإعتباره واجبا ، أو نتيجة من نتائج الواجب الّتي تستهدفها الشّريعة.
وليس يغض من صدق هذا القول أنّ من الممكن حدوث هذا الألم ، بل إنّه نتيجة طبيعية للحرمان ، وكثيرا ما نلاحظ لدى الصّائمين ، سواء في البداية ، أو على مدى الصّوم ، شعورا بالضيق ، يضعف أو يقوي ، وهو ناتج على الأقل عن تغيير النّظام ، ولكن أمرا جديدا يفرض نفسه في هذه الحالة.
ذلك أنّ الواجب ليس أن نعتصم بالصبر ، ونتشبث بالكرامة ، فقط في مواجهة حدث مغمّ لا يمكن تفاديه (١) ، من مثل ما تحدث عنه القرآن في قوله تعالى :
__________________
ـ فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) المائدة : ٩٥. فهي تجعل الصّيام بطريقة للتكفير عن الذنب. بيد أنّ قراءة النّص ذاتها تكفي لبيان أنّ المراد هو الألم الأخلاقي اللازم للتوبة : (لّيذوق وبال أمره ى) ، فالمطلوب هو أن يشعر المخطىء بفداحة عمله الماضي ، لا أن يشعر بالحرمان المادي الّذي يتحمله الآن. ومع ذلك فكيف نطبق مقصد هذا الألم البدني على طريقة الجزاء الأخرى (القربان ، والصّدقة) ، وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة في نفس الوقت؟ ...
(١) ونقول : لا يمكن تفاديه ، لأنّ من الواضح أنّ واجبنا لن يكون نفس الواجب أمام المشاق الّتي تحدث بطريق طبيعية ، كالأمراض ، والحوادث ، وهي أمور قابلة للتغيير ، أو التّلطيف ، فمثل هذه الشّرور لا تحدث لكي نتخذ منها موقفا سلبيا ، بل إنّها تثير جهودنا ، وتستحثها إلى مقاومتها ، وقهرها ، وفي ذلك يقول الرّسول صلىاللهعليهوسلم فيما روي عن أبي هريرة : «ما أنزل الله داء إلّا أنزل له شفاء» [انظر ، صحيح البخاري : ٥ / ٢١٥١ ح ٥٣٥٤ ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٢١٨ ح ٧٤٢٣ ، السّنن الكبرى : ٤ / ٣٦٩ ح ٧٥٥٥ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١١٣٨ ح ٣٤٣٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٥ / ٣١ ح ٢٣٤١٦ ، مسند أبي حنيفة : ١ / ٢١٢ ، مسند أحمد : ١ / ٣٧٧ ح ٣٥٧]. ويقول عليه الصّلاة والسّلام فيما روي عن جابر : «لكلّ داء دواء ، فإذا أصيب دواء الدّاء برأ بإذن الله عزوجل» ، (انظر ، صحيح مسلم : ٤ / ١٧٢٩ ح ٢٢٠٤ ، فقه الرّضا : ٢٠ ، صحيح ابن حبّان : ١٣ / ٤٢٨ ح ٦٠٦٣ ، إيضاح الفوائد : ٤ / ١٥٤ ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٤٤٥ ح ٨٢١٩ ، سنن البيهقي الكبرى : ٩ / ٣٤٣ ، مسند أحمد : ٣ / ٣٣٥ ح ١٤٦٣٧ ، ـ