تضطرهم إلى ذلك تكاليف أخلاقية ، أو ظروف طبيعية عامة. إنّ مساعدة البائسين ، الّتي أوصى الله سبحانه بها ـ خاصة ـ في شهر الصّوم ، والّتي تصبح تكليفا صريحا عقب الصّوم ـ هذه المساعدة ليست سوى نتيجة منطقية ، ومحصلة لهذه العبادة.
وأيّا ما كان أمر هذه المنافع ذات الطّابع الأخلاقي ، أو تلك المنافع الأخرى ذات الطّابع العضوي (أو الفسيولوجي) ، فمن الواضح لأعيننا أنّ الألم البدني النّاشيء عن الحرمان ليس من أهداف الشّارع الإسلامي. ولئن كان ينجم أحيانا من أداء واجب أخلاقي فإنّه يفرض بدوره واجبات أخرى. بل إنّ الإمساك المتطاول ، على رغم هذا الألم ، هو عمل باطني من النّاحية الإيجابية ، تقاوم به الإرادة مطالب الجسد. والجانب المادي في الإمساك يتمثل في تحمل الآلام ، أكثر من العمل ضدها ، فهو يقتصر على عمل سلبي مجرد ، ولا يمكن إذن أن يسمى جهدا صريحا.
وهكذا نستطيع أن نحدد في كلمتين موقف القرآن بالنسبة إلى «مشكلة الألم البدني في الأخلاق» ، «فليس حتما أن نبحث عن هذه التّضحية ، بحيلة معتسفة ، ولا أن نهرب منها حين تفرض ضمن واجب من الواجبات».
هاتان القضيتان تستخلصان بوضوح أكثر عند ما نتأمل بنظرة فاحصة كيفية تطبيق هذا المبدأ القرآني فيما قدم النّبي صلىاللهعليهوسلم من حلول ، في مختلف المسائل الخاصة. وحسبنا أن ندرس في هذا الصّدد قضيتين متنافيتين ، طالما ناقشهما الأخلاقيون المسلمون ، محاولين توضيح بعض جوانبهما :
الصّبر ، والعطاء ، والعزلة ، والإختلاط.