لهذا التّحديد ، أو ذاك ، مما قد يبدو لنا غير ذي أهمية في ذاته ، أو قد لا تكفي أنوارنا ، وبصائرنا للكشف عنه ، أو تفسيره من النّاحية العقلية.
بيد أنّه في جميع الحالات «لا يتراكب العنصران : الدّينيّ ، والأخلاقيّ» ، ولا يستطيع أحدهما أن يعرّف الآخر.
ألا يمكن أن نحصل على هذا التّراكب من ناحية واحدة على الأقل ، حين ننظر إلى الأخلاق القرآنية من حيث مصدرها التّشريعي؟. فهل ينشأ النّفوذ الّذي يمارسه الواجب على كياننا ، من «سلطة دينية محضة» في نظر القرآن؟.
إننا نتردد في تأكيد ذلك بشكل قاطع ، دون تحفظ ، أو تقييد :
أوّلا : لأنّ شريعة الضّمير ـ طبقا للقرآن نفسه ـ سابقة في الوجود على شريعة الدّين الإيجابية ، فلقد نفخ الشّعور بالخير ، وبالشر ، وبالعدل ، وبالظلم ، في كلّ نفس إنسانية منذ كان الخلق.
أو لسنا نشهد في الواقع ظهور الحس الأخلاقي عند الأطفال ابتداء من عمر التّمييز ، واستمراره خلال جميع الأعمار ، حتّى لدى الملاحدة؟.
ثمّ ألسنا نشهد بين المذنبين أنفسهم من يعترفون بذنوبهم ، ويأسون عليها دون أن يملكوا الشّجاعة للتخلص منها ، أليس هؤلاء هم الجمهور الغفير؟.
وثانيا : لأنّ الشّريعة الأيجابية لم تأت لنسخ الشّريعة الطّبيعية ، ولكي تعزل السّلطة الخاصة الّتي ثبّتت هذه دعائمها. فهي لم تبطل الشّريعة القديمة ، وإنّما صدقتها ، ومدت في عمرها ، وحددتها. أمّا فيما يتعلق بالضمير ، فهي لا تكتفي بأن تستلزمه فحسب ، بل إنّها بعد أن تغذيه ، وتنوره ، تعتمد عليه من جديد لدعم