كلّها ، فيرفعون رؤوسهم من السّجود ، وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ، ولا يتكلّمون ، من الشرب والعزف ، فيكونون على ذلك اثني عشر يوما ولياليها ، بعدد أعيادهم بسائر السنة ، ثمّ ينصرفون.
فلمّا طال كفرهم بالله عزوجل وعبادتهم غيره ، بعث الله عزوجل إليهم نبيا من بني إسرائيل ، من ولد يهودا بن يعقوب عليهالسلام ، فلبث فيهم زمانا طويلا ، يدعوهم إلى عبادة الله عزوجل ، ومعرفة ربوبيّته ، فلا يتّبعونه ، فلمّا رأى شدة تماديهم في الغيّ والضلال ، وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح ، وحضر عيد قريتهم العظمى ، قال : يا ربّ ، إنّ عبادك أبوا إلّا تكذيبي ، والكفر بك ، وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضرّ ، فأيبس شجرهم أجمع ، وأرهم قدرتك وسلطانك. فأصبح القوم وقد يبس شجرهم ، فهالهم ذلك ، وفظع بهم ، وصاروا فرقتين : فرقة قالت : سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السّماء والأرض إليكم ، ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه. وفرقة قالت : لا ، بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ، ويقع فيها ـ ، ويدعوكم إلى عبادة غيرها ، فحجبت حسنها وبهاءها لكي تغضبوا لها ، فتنتصروا منه.
فأجمع رأيهم على قتله ، فاتّخذوا أنابيب طوالا من رصاص ، واسعة الأفواه ، ثمّ أرسلوها في قرار العين ، إلى أعلى الماء ، واحدة فوق الأخرى ، مثل البرابخ (١) ، ونزحوا ما فيها من الماء ، ثم حفروا في قرارها بئرا ضيّقة المدخل ، عميقة ، وأرسلوا فيها نبيّهم ، وألقموا فاها سخرة عظيمة ، ثم أخرجوا الأنابيب من الماء ، وقالوا : الآن نرجو أن ترضى عنّا آلهتنا ، إذا رأيت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها ، ويصدّ عن عبادتها ، ودفنّاه تحت كبيرها ، يتشفّى
__________________
(١) البرابخ : البالوعة الواسعة من الخزف. «أقرب الموارد ـ برخ ـ ج ١ ، ص ٣٥».