(وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)(١) فأحبّته القبطيّة الموكلة به.
وأنزل الله على موسى التابوت ، ونوديت أمّه : ضعيه في التابوت فاقذفيه في اليمّ ، وهو البحر (وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ، فوضعته في التابوت ، وأطبقت عليه ، وألقته في النيل. وكان لفرعون قصر على شطّ النيل متنزّه (٢) ، فنزل من قصره ومعه آسية امرأته ، فنظر إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج ، والرياح تضربه ، حتى جاءت به إلى باب قصر فرعون ، فأمر فرعون بأخذه ، فأخذ التابوت ، ورفع إليه ، فلمّا فتحه وجد فيه صبيّا ، فقال : هذا إسرائيلي. وألقى الله في قلب فرعون لموسى محبّة شديدة ، وكذلك في قلب آسية ، وأراد فرعون أن يقتله ، فقالت آسية : (لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنه موسى عليهالسلام ، ولم يكن لفرعون ولد ، فقال : ائتوا له بظئر تربّيه. فجاءوا بعدّة نساء قد قتل أولادهنّ ، فلم يشرب لبن أحد من النساء ، وهو قول الله : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ).
وبلغ أمّه أن فرعون قد أخذه ، فحزنت ، وبكت ، كما قال : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) ، يعني كادت أن تخبر بخبره ، أو تموت ، ثم ضبطت نفسها ، فكان كما قال الله عزوجل : (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقالَتْ لِأُخْتِهِ) ، أي لأخت موسى : (قُصِّيهِ) أي اتّبعيه ، فجاءت أخته إليه (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) أي عن بعد (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) فلمّا لم يقبل موسى بأخذ ثدي أحد من النساء ، اغتمّ فرعون غمّا شديدا ، فقالت أخته : هل أدلّكم على أهل بيت يكفلونه لكم ، وهم له ناصحون؟ فقال : نعم ، فجاءت بأمّه ، فلمّا أخذته في حجرها ، وألقمته ثديها ،
__________________
(١) طه : ٣٩.
(٢) المتنزّه : مكان التنزه. «المعجم الوسيط : ج ٢ ، ص ٩١٥».