التقمه وشرب ، ففرح فرعون وأهله ، وأكرموا أمه ، وقالوا لها : ربيه لنا ، ولك منّا الكرامة بما تختارين. وذلك قول الله تعالى : (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كلّما يلدون ، ويربّي موسى ويكرمه ، ولا يعلم أن هلاكه على يده ، فلمّا درج موسى ، كان يوما عند فرعون ، فعطس موسى ، فقال : الحمد لله رب العالمين. فأنكر فرعون ذلك عليه ، ولطمه ، وقال : ما هذا الذي تقول؟ فوثب موسى على لحيته ـ وكان طويل اللّحية ، فهلبها ـ أي قلعها ـ فآلمه ألما شديدا ، فهم فرعون بقتله ، فقالت امرأته : هذا غلام حدث ، لا يدري ما يقول ، وقد آلمته بلطمتك إيّاه. فقال فرعون : بل يدري ، فقالت له : ضع بين يديه تمرا وجمرا ، فإن ميز بينهما فهو الذي تقول. فوضع بين يديه تمرا وجمرا ، وقال : كل. فمد يده إلى التّمر ، فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر ، فأخذ الجمر في فيه ، فاحترق لسانه ، وصاح وبكى ، فقالت آسية لفرعون : ألم أقل لك إنه لا يعقل؟ فعفا عنه».
قال الراوي : فقلت لأبي جعفر عليهالسلام : فكم مكث موسى غائبا عن أمّه حتى ردّه الله عليها؟ قال : «ثلاثة أيّام».
فقلت : كان هارون أخا موسى لأبيه وأمّه؟ قال : «نعم ، أما تسمع الله تعالى يقول : (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي)(١).
فقلت : أيّهما كان أكبر سنّا؟ قال : «هارون».
قلت : وكان الوحي ينزل عليهما جميعا؟ قال : «الوحي ينزل على موسى ، وموسى يوحيه إلى هارون».
فقلت : أخبرني عن الأحكام ، والقضاء ، والأمر والنهي ، أكان ذلك
__________________
(١) طه : ٩٤.