مؤمنة ، فتزوج بأخرى من قومه ، وكانت قد آمنت به ، يقال لها (قواب) ، فقام معها يدعوهم إلى طاعة الله ، فجعلوا يشتمونه ويضربونه ، حتى بقي فيهم من أوّل ما بعث إلى أربعين سنة ، فلم يبالوا به ، ولم يطيعوه ، فضجّت الأرض إلى ربها ، واستغاثت الأشجار ، والأطيار ، والجنّة والنار من فعلهم إلى الله تعالى ، فأوحى الله تعالى إليهم : إنّي حليم لا أعجل على من عصاني حتى يأتي الأجل المحدود».
قال : «فلمّا استخفّوا بنبي الله ولم يذعنوا إلى طاعته ، وداموا على ما كانوا فيه من المعاصي ، أمر الله تعالى أربعة من الملائكة ، وهم : جبرئيل ، ميكائيل ، وإسرافيل ، ودردائيل أن يمرّوا بإبراهيم عليهالسلام. ويبشّرونه بولد من سارة بنت هاراز بن فاخور ، وكانت قد آمنت به حين جعل الله عليه النار بردا وسلاما ، فأوحى الله إليه : أن تزوّج بها يا إبراهيم ـ قال ـ فتزوّج بها ، فجاءوا على صورة البشر ، المعتجرين (١) بالعمائم وكان إبراهيم عليهالسلام لا يأكل إلا مع الضّيف ـ قال ـ فانقطعت الأضياف عنه ثلاثة أيام ، فلما كان بعد ذلك ، قال : يا سارة ، قومي واعملي شيئا من الطعام ، فلعلّي أخرج عسى أن ألقى ضيفا. فقامت لذلك ، وخرج إبراهيم عليهالسلام في طلب الضّيف ، فلم يجد ضيفا ، فقعد في داره يقرأ الصّحف المنزلة عليه ، فلم يشعر إلا والملائكة قد دخلوا عليه مفاجأة على خيلهم في زينتهم ، فوقفوا بين يديه ، ففزع من مفاجأتهم ، حتى قالوا : سلاما ، فسكن خوفه ، فذلك معنى قوله تعالى :
(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً)(٢) ، وقال تعالى في آية أخرى :
__________________
(١) الاعتجار : لفّ العمامة على الرأس. «الصحاح ـ عجر ـ ج ٢ ، ص ٧٣٧».
(٢) هود : ٦٩.