(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ)(١) ، لأنّه لا يعرف صورهم ، فرحّب بهم ، وأمرهم بالجلوس ، ودخل على سارة ، وقال لها : قد نزل عندنا أربعة أضياف حسان الوجوه واللباس ، وقد دخلوا وسلّموا عليّ بسلام الأبرار ، فقال لها : وحاجتي إليك أن تقومي وتخدميهم. فقالت : عهدي بك يا إبراهيم وأنت أغير الناس. فقال : هو كما تقولين ، غير أن هؤلاء أعزاء خيار.
ثم عمد إبراهيم إلى عجل سمين فذبحه ، ونظّفه ، وعمد إلى التنّور فسجره ، فوضع العجل في التنّور حتى اشتوى ، وذلك معنى قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ)(٢) ، والحنيذ الذي يشوى في الحفرة ، وقد انتهى خبزه ونضاجته ، فوضع إبراهيم العجل على الخوان ، ووضع الخبز من حوله ، وقدّمه إليهم ، ووقفت سارة عليهم تخدمهم ، وإبراهيم يأكل ولا ينظر إليهم ، فلما رأت سارة ذلك منهم ، قالت : يا إبراهيم ، إن أضيافك هؤلاء لا يأكلون شيئا. فقال لهم إبراهيم عليهالسلام : ألا تأكلون؟ وداخله الخوف من ذلك ، وذلك معنى قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ)(٣) ، أي أضمر منهم خوفا.
ثم قال إبراهيم عليهالسلام : لو علمت أنكم ما تأكلون ما قطعنا العجل عن البقرة. فمدّ جبرئيل يده نحو العجل ، وقال : قم بإذن الله تعالى. فقام وأقبل نحو البقرة حتى التقم ضرعها ، فعند ذلك اشتدّ خوف إبراهيم عليهالسلام ، وقال : (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ
__________________
(١) الذاريات : ٢٤ و ٢٥.
(٢) هود : ٦٩.
(٣) هود : ٧٠.