إلى لوط ، وقد فرغ من حرثه ، فلمّا رآهم لوط اغتمّ لهم ، وفزع عليهم من قومه ، وذلك معنى قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ)(١) ، يعني شديد شرّه. وقال في آية أخرى : (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ)(٢) ، أنكرهم لوط كما أنكرهم إبراهيم عليهالسلام ، فقال لهم لوط عليهالسلام : من أين أقبلتم؟ قال له جبرئيل عليهالسلام ، ولم يعرفه : من موضع بعيد ، وقد حللنا بساحتك ، فهل لك أن تضيّفنا في هذه الليلة ، وعند ربّك الأجر والثواب؟ قال : نعم ، ولكن أخاف عليكم من هؤلاء القوم الفاسقين عليهم لعنة الله.
فقال جبرئيل لإسرافيل عليهالسلام : هذه واحدة. وقد كان الله تعالى أمرهم أن لا يدمّروهم إلا بعد أربع شهادات تحصل من لوط بفسقهم ، ولعنته عليهم ، ثمّ أقبلوا عليه ، وقالوا : يا لوط ، قد أقبل علينا الليل ، ونحن أضيافك ، فاعمل على حسب ذلك. فقال لهم لوط : قد أخبرتكم أن قومي يفسقون ، ويأتون الذكور شهوة ويتركون النساء ، عليهم لعنة الله. فقال جبرئيل لإسرافيل : هذه ثانية. ثم قال لهم لوط : انزلوا عن دوابكم ، واجلسوا ها هنا حتى يشتدّ الظلام ، ثم تدخلون ولا يشعر بكم منهم أحد ، فإنهم قوم سوء فاسقين ، عليهم لعنة الله. فقال جبرئيل لإسرافيل : هذه الثالثة.
ثم مضى لوط ـ بعد أن أسدل الظلام ـ بين أيديهم إلى منزله ، والملائكة خلفه ، حتى دخلوا منزله ، فأغلق عليهم الباب ، ثم دعا بامرأته ، يقال لها (قواب) وقال لها : يا هذه ، إنك عصيت مدة أربعين سنة ، وهؤلاء أضيافي قد ملؤوا قلبي خوفا ، اكفيني أمرهم هذه الليلة حتى أغفر لك ما مضى. قالت : نعم. قال الله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ
__________________
(١) هود : ٧٧.
(٢) الحجر : ٦١ ، ٦٢.