ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته ، وضعف ما في يده ، حجّة له على باطله ، وأمّا الضعفاء منكم فتغمّ قلوبهم لما يرون من ضعف المحقّ في يد المبطل.
وأمّا الجدال بالتي هي أحسن ، فهو ما أمر الله تعالى به نبيّه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت ، وإحياءه له ، فقال الله تعالى حاكيا عنه : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)(١)؟ فقال الله في الردّ عليه : (قُلْ)(٢) يا محمد (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)(٣) إلى آخر السورة.
فأراد الله من نبيّه أن يجادل المبطل الذي قال : كيف يجوز أن يبعث الله هذه العظام وهي رميم؟ فقال الله تعالى : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، أفيعجز من ابتدأه لا من شيء أن يعيده بعد أن يبلى؟ بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته.
ثم قال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) ، أي إذا كان قد أكمن النار الحارّة في الشجر الأخضر الرّطب ، يستخرجها ، فعرّفكم أنه على إعادة ما يبلى أقدر ، ثم قال : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)(٤) ، أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي ، فكيف جوّزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ، ولم تجوّزوا ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي؟
__________________
(١) يس : ٧٨.
(٢) يس : ٧٩.
(٣) يس : ٧٩ و ٨٠.
(٤) يس : ٨١.