وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) (٣٠) [سورة المؤمنون : ٢٣ ـ ٣٠]؟!
الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمهالله تعالى) : ثم أقسم تعالى أنه أرسل نوحا إلى قومه ، يدعوهم إلى الله ، ويقول له (اعْبُدُوا اللهَ) وحده لا شريك له ، فإنه لا معبود لكم غيره ، ويحذرهم من عقابه ، ويقول (أَفَلا تَتَّقُونَ) نقمة الله بالإشراك معه في العبادة. ثم حكى أن الملأ وهم ـ جماعة أشراف قومه ـ الكفار ، قال بعضهم لبعض : ليس نوح هذا إلا مخلوقا مثلكم ، وبشر مثلكم ، وليس بملك (يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) فيسودكم ويترأسكم وأن يكون أفضل منكم (وَلَوْ شاءَ اللهُ) ما قاله من توحيده واختصاصه بالعبادة (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) عليكم يدعونكم إلى ذلك. ثم قالوا (ما سَمِعْنا بِهذا) يعني بما قال نوح ، وبمثل دعوته. وقيل بمثله بشرا أتى برسالة من ربه في أسلافنا الماضين وآبائنا وأجدادنا الذين تقدمونا. ثم قالوا : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) أي ليس هذا ـ يعنون نوحا ـ إلا رجلا به جنة أي تعتاده غمرة تنفي عقله حتى يتخيل إليه ما يقوله ويخرجه عن حال الصحة وكمال العقل ، فكان أشراف قومه يصدون الناس عن اتباعه ، بما حكى الله عنهم ، وقالوا : إنه لمجنون يأتي بجنونه بمثل هذا. ويحتمل أن يكونوا أرادوا كأنه في طعمه فيما يدعوه إليه مجنون. ثم قال بعضهم لبعض : (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) أي إلى وقت ما ، كأنهم قالوا لهم تربصوا به الهلاك وتوقعوه.
وقال الطوسيّ : يقول الله تعالى أن نوحا عليهالسلام لما نسبه قومه إلى الجنة ، وذهاب العقل ، ولم يقبلوا منه ، دعا الله تعالى ، فقال (رَبِّ انْصُرْنِي