طاعته ـ كما سيأتي في المقالة الاُولى ـ حتّى أنّه سبحانه لم يكتف من عباده بمحض دعوى الإيمان ، بل امتحن كلاًّ منهم بأنواع الاختبار والامتحان من بدو الخلقة إلى آخر الزمان ، وأنّ من ذلك أهل زمان سيّد الإنس والجانّ ، وفيه بعض ما يدلّ صريحاً على كون حكاية إمامة عليّ عليهالسلام من أعظم ما وقع به الامتحان .
اعلم أنّ هذا ـ أي أصل وقوع الامتحان ، وعدم إيجاد الناس عبثاً ـ مع كونه واضحاً في نفسه ـ من حيث حكم العقل السليم بقُبح صدور العبث من العليم الحكيم ، ومن جهة تحقّق الإجماع بحسب التجربات الحاصلة ممّا رُؤي في الأصقاع وطرق الأسماع ، وما وصل إلينا من أحوال القرون السالفة والاُمم السابقة ـ ينادي به صريح الكتاب والسُّنّة :
قال اللّه تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) (١) .
وقال عزوجل : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) (٢) .
وقال عزوجل :( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) (٣) .
وقال تبارك وتعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (٤) .
__________________
(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ١١٥ .
(٢) سورة القيامة ٧٥ : ٣٦ .
(٣) سورة العنكبوت ٢٩ : ٢ ـ ٣ .
(٤) سورة التوبة ٩ : ١٦ .