ومن الواضحات البيّنة أيضاً أنّ القلب مرآة إدراك الحقّ ، فمهما لم يكن مجليّاً صافياً ـ لاسيّما إذا كان مصدأً ـ كيف يمكن الانتقاش فيه ، ورؤية ما يراد رؤيته منه ؟ بل ربّما يرى فيه الحقّ بصورة الباطل ، كما يرى الصورة البيضاء في المرآة المصدءة مظلمة سوداء .
وفي الحديث : «لا تحلّ الفتيا لمن لا يستفتي من اللّه بصفاء سرّه وإخلاص عمله (١) وعلانيته وبرهان من ربّه في كلّ حال» (٢) .
وفي بعض خطاب اللّه لبني إسرائيل : «لا تقولوا : العلم في السماء من ينزل به [ إلى الأرض (٣) ] ، ولا في تخوم الأرض من يصعد به ، ولا من وراء البحار من يعبر يأتي به ؟ العلم مجعول في قلوبكم تأدّبوا بين يديّ بآداب الروحانيّين ، وتخلّقوا إليّ بأخلاق الصدّيقين أظهر العلم من قلوبكم ، حتّى يغطّيكم ويغمركم» (٤) .
فعلى هذا يجب لا محالة على كلّ مريد لتميّز الحقّ عنده عن غيره التمسّك بآداب أهل الحقّ والتخلّق بأخلاقهم ، وهي عديدة نذكر هاهنا خلاصة ما هو العمدة منها :
الأوّل : أن يكون مقصوده الأصلي إصابة الحقّ وطلب ظهوره كيف اتّفق ، كمنشد ضالّة يكون شاكراً متى وجدها ، ولا يفرق بين أن يظهر على يده أو يد غيره ، فيرى (رفيقه عوناً) (٥) لا خصماً يشكره إذا عرّفه الخطأ
__________________
(١) في «ش» و«ن» : علمه .
(٢) مصباح الشريعة : ١٦ ، وفيه : (لا يصطفى) بدل (لا يستفتى) ، بحار الأنوار ٢ : ١٢٠ / ٣٤ .
(٣) الزيادة من المصدر ، يقتضيها السياق .
(٤) إحياء علوم الدين ١ : ٧١ بتفاوت يسير .
(٥) ما بين القوسين في «ن» : رفيقاً معيناً .