صريحة في شمول هذه الحالات للصحابة أيضاً ، وأنّهم كغيرهم في وجود الأخيار فيهم والأشرار ، مع بيانٍ شافٍ وتحقيقٍ وافٍ ، يهتدي به من أراد الاستبصار وفهم الأخبار .
ولنذكر هاهنا خبراً كالصريح في الشمول للصحابة ، وهو ما رواه جماعة ، منهم البخاري في صحيحه ـ الذي هو عند المخالفين أصحّ الكتب بعد كتاب اللّه ، كما صرّحوا به ـ : عن حذيفة بن اليمان ، أنّه قال : كان الناس يسألون رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عن الخير ، وكنت أسأله عن الشرّ ، مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول اللّه ، إنّا كنّا في جاهليّةٍ وشرٍّ ، فجاءنا اللّه بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شرّ ؟
فقال : «نعم» ، قلت : فهل بعد ذلك الشرّ من خير ؟
قال : «نعم ، وفيه دَخن» (١) ، قلت : وما دخنه ؟
قال : «قوم يهدون بغير هدى ، تعرف منهم وتنكر» ، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شرّ ؟
قال : «نعم ، دُعاة على أبواب جهنّم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها» ، قلت: يا رسول اللّه ، صفهم لنا ؟
قال : «هم من جلدتنا ويتكلّمون بألسنتنا» ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟
قال : «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟
قال : «فاعتزل تلك الفِرَق كلّها ، ولو أن تعضّ بأصل شجرة حتّى
__________________
(١) الدَخن : ظهور وإثارة الفساد والاختلاف ، تشبيهاً بدخان الحطب الرطب .
انظر : النهاية لابن الأثير ٢ : ١٠٩ ـ دخن ـ .