الفـصل الثاني
في بيان أنّ الواجب على طالب الحقّ غاية بذل الجهد في تصفية نيّته وتفريغ قلبه عن الميل المذكور سابقاً وأمثاله ممّا يأتي ، حتّى يصير قابلاً لإلهام الحقّ وإدراكه ، فإنّ اللّه عزوجل وعد التوفيق لمثل هذا الشخص وهدايته إلى فهم الحقّ ، كما هو صريح قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (١) الآية .
اعلم أنّه قد تبيّن ممّا مرّ آنفاً أنّ الميل الذي ذكرناه من آفات النفس وموانع فهم الحقّ وتحقيقه والإقرار به ، وستأتي أيضاً آفات اُخَر وموانع شتّى ، كميل النفس إلى الهوى ، وحبّ شهوات الدنيا .
فعلى هذا يجب على كلّ أحد ـ لاسيّما من أراد أن تظهر عليه أنوار العلم والدين ، حتّى يطّلع على حقيقة الحقّ فيتمسّك به على نهج اليقين ـ أن يسلب عن نفسه :
أوّلاً : تلك الرذائل وينظّفها عن تلك الخبائث ؛ إذ ما لم يشتغل بتعهّد القلب وإصلاحه وتطهيره عنها ، لم يصر من علماء الدين ، فضلاً عن أن يكون من أهل الحقّ واليقين ؛ لأنّ العلم عبادة القلب ، وصلاة السرّ ، وقربة
__________________
(١) سورة العنكبوت ٢٩ : ٦٩ .