الفصل الأوّل
في بيان اقتضاء حكمة اللّه ومصلحته أن يكون لأعدائه ومخالفيه التاركين للحقّ والدين إمهال واستدراج بالغلبة والشوكة والتنعّم في هذه الدنيا التي هي دار الراحة لهم والتمتّع لهم ، وبإقبالها إليهم ، وتوجّه أهلها وزخارفها عليهم ليزدادوا إثماً ، وتكون الحجّة عليهم تماماً ، فيستحقّوا بذلك الهلاك وشدّة العذاب .
وفي توضيح أنّ ذلك ليس من آثار الخير ، بل هو علامة الجهالة والضلالة ، والسخط من اللّه عزوجل ، وأنّ اللّه سبحانه نهى عن هذه الحالات ، وذمّ أهلها ، ولعنهم وفسقهم .
اعلم أنّ الآيات والروايات والتجربات صريحة في هذا الأمر ، بل إنّما ذلك مقتضى العدل وإنجاح مراد العبد ، ومراعاة التناسب ؛ ضرورة أنّ الإنسان إذا ترك الحقّ ولزم الباطل ورجّح الدنيا على الآخرة بعد ظهور البيّنة ووضوح ترتّب الضرر عليه فقد اختار ذلك ، وأراده متعمّداً ، بل طلبه وعزم عليه ولو بلسان الحال .
ولا شكّ أنّ مثل هذا باغض لربّه ومبغوض عنده ، كاذب إن ادّعى غيره ، فلمّا لم يرد اللّه حرمان الخلق رأساً جعل لهؤلاء الدار التي هي مبغوضة عنده أيضاً وهي الدنيا ، وأعطاهم فيها ما أرادوه منها على حسب شهوتهم ورغبتهم وإن استوجب الضرر العظيم في عاقبتهم ؛ لتعمّدهم في