الأنبياء منهم وأتباعهم ، وبالغوا في تطلّبهم ليقتلوهم ، وبنوا لأصنامهم بيعاً عظيمة ، وقرّروا آداباً ورسوماً لعبادتها ، ودعوا الناس إلى ذلك حتّى عكف على عبادتها الملوك ومعظم بني إسرائيل ، لاسيّما في زمان ملكٍ كان يقال له : ياربعام بن نواط ، فإنّه الذي خرج على ولد سليمان بن داود عليهماالسلام ، وانضمّ إليه تسعة أسباط (١) ونصف من بني إسرائيل ، وتركوا أحكام التوراة وشرعها مدة طويلة بعد أن صارت مقاتلة عظيمة بينهم وبين بقيّة بني إسرائيل المؤمنين الذين كانوا مع ولد سليمان في بيت المقدس ؛ بحيث قتل خمسمائة ألف رجل ، وتفرّق اليهود في البلدان ، وغلب عليهم الفرس واليونان ، بحيث منعوهم عن الصلاة زعماً منهم أنّهم يدعون عليهم في صلاتهم ، فاخترع اليهود أدعية مشتملة على بعض فصول صلواتهم ، وشرعوا يقرأونها مجتمعين في أوقات صلواتهم بألحان عديدة وأنواع من التغنّي والنوح ، فكان الفرس إذا أنكروا عليهم ذلك قالوا لهم : إنّهم يغنّون أحياناً وينوحون على أنفسهم أحياناً ، فيكفّوا عنهم ، إلى أن صار ذلك الغناء مباحاً عندهم ، بل صار من السنن المستحبّة في الأعياد ومواضع أفراحهم يجعلونها ـ أي الدعوات ـ عوضاً عن الصلاة ، واستغنوا بها عنها من غير ضرورة داعية إلى ذلك (٢) . انتهى خلاصة كلامه .
ولا يخفى أنّ هذا المخترَع الصادر من اليهود هو عين ما اتّخذه تعبّداً أكثرُ فِرَق الصوفية ، الذين اشتهروا من زمن بني اُميّة وبني العباس ، الذين
__________________
(١) السبط : الاُمّة ، كما جاء في الحديث : «الحسين عليهالسلام سبط من الأسباط» أي اُمّة من الاُمم في الخير ، وهو الولد أيضاً ، والسبط من اليهود : كالقبيلة من العرب .
انظر : لسان العرب ٧ : ٣١٠ ـ سبط ـ .
(٢) لم نعثر عليه .