وأمّا الأخير فظاهر النهي فيه وإن اقتضى الحرمة ، إلاّ أنّ الإجماع منع من حمله عليها ، مضافا إلى المعارضة مع بعض أخبار أخر في الجملة ، وترك الإنكار على أرباب هذه الصناعات في جميع الأعصار والأمصار.
قيل : وظاهر هذه الأخبار كغيرها اختصاص الكراهة باتّخاذ ذلك حرفة وصنعة ، دون أن يصدر منه ذلك أحيانا (١).
وهو كذلك ، أمّا في غير بيع الرقيق فظاهر ، وأمّا فيه فقد يناقش من جهة عموم العلّة.
وفيه : أنّ المذكور في العلّة كراهة بيع الناس ، الذي هو اسم الجمع المحلّى المفيد للعموم ، وهو وإن كان غير مراد ولكن لم يثبت إرادة من يبيعه أحيانا ، فيقتصر على القدر المتيقّن.
ثمَّ بعد اختصاص الكراهة بما ذكر لا يحتاج إلى تقييد المكروه بعدم احتياج الناس إليه ، لئلاّ يلزم اجتماع المكروه مع الواجب العيني أو الكفائي ، لعدم مماسّة الحاجة إلى اتّخاذ ذلك حرفة.
والظاهر أنّ المراد ببيّاع الطعام : بيّاع الحنطة ، لأنّ الطعام في لغة العرب هو الحنطة ، كما بيّنوه في بيان حلّية طعام أهل الكتاب ، ويؤكّده التعليل بعدم السلامة من الاحتكار ، والتخصيص بالحنّاط في الرواية الثانية.
والمراد ببيّاع الحنطة ـ كما مرّ ـ : من اتّخذ ذلك حرفة ، فلا بأس ببيع الزارع للحنطة ما يفضل عن قدر حاجته ، ولو تكرّر ذلك منه ، بل اتّخذ حرفته الزراعة ويبيع الفاضل ، لأنّ ذلك يسمّى زارعا لا بيّاع الحنطة.
ومنها : الحياكة ، لقول أمير المؤمنين عليهالسلام للأشعث بن قيس : « حائك
__________________
(١) الحدائق ١٨ : ٢٢٨.