في كلّ ما لا يعلم بالأصل.
ولا يتوهّم أنّه يلزم تخصيص العام بالمجمل إذا دلّت الرواية على أنّ الترجيع المجوّز هو ترجيع العرب ، والمنهيّ عنه هو ترجيع الغناء والنوح والرهبانيّة وترجيع أهل الفسوق والكبائر ، غاية الأمر أنّه لا يعلم تعيين أحدهما ، ومثل ذلك ليس تخصيصا بالمجمل.
وأمّا منع كون مطلق الترجيع غناء ففيه : أنّه بعد ضمّ حسن الصوت المرغّب فيه مع الترجيع لا يمكن الخلوّ عن نوع من الإطراب ، فيكون غناء. وتحزين القارئ يستلزم تحزين المستمع غالبا.
وأمّا تأويل قوله : « تغنّوا » بطلب الغناء فهو ما يستبعد عن سياق الكلام غاية الاستبعاد.
ومنها : مطلق الذكر والدعاء والفضائل والمناجاة وأمثالها. ويدلّ على استثنائها وجواز الغناء فيها ما ذكرنا من الأصل السالم عن المعارض بالمرّة.
مضافا إلى مرسلة الفقيه المتقدّمة ، المتضمّنة لتجويز شراء المغنّية لأن تذكّر بصوتها (١) ، فإنّ إطلاقها يشمل الغناء أيضا ، مع أنّ الظاهر أنّ السؤال كان عن غنائها إذا كان عدم حرمة غيره ظاهرا ، وفيها دلالة على تأثير الصوت ووصفه في رقّة القلب ، ولو لا دلالتها بخصوصها فلا شكّ في الدلالة بالعموم ، فيحصل التعارض المذكور على نحو ما مرّ في القرآن والمراثي.
وقد يورد على التعارض المذكور بما مرّ من أنّ الغناء هو الترجيع المطرب ، كما هو المستفاد من كلام الغزالي في الإحياء (٢) ، ومن كلام
__________________
(١) راجع ص : ١٣٢.
(٢) إحياء علوم الدين ٢ : ٢٧٠.