وكدر منها ما كان صفواً ، فلم يبق منها إلا شفافة (١١) كشفافة الإِناء ، وجرعة كجرعة الإدواة ، لو تمززها (١٢) الصديان (١٣) لم تنقع (١٤) غلته ، فازمعوا عباد الله على الرحيل عنها ، واجمعوا متاركتها ، فما من حي يطمع في بقاء ، ولا نفس إلا وقد أذعنت للمنون ، ولا يغلبنكم الأمل ، ولا يطل عليكم الأمد ، فتقسو قلوبكم ، ولا تغتروا بالمنى ، وخدع الشيطان وتسويفه ، فإن الشيطان عدوكم ، حريص على إهلاككم ، تعبدوا لله عباد الله ، أيام الحياة ، فوالله لو حننتم حنين الواله المعجال ، ودعوتم دعاء الحمام ، وجأرتم جؤار (١٥) متبتلي (١٦) الرهبان ، وخرجتم إلى الله عز وجل من الأموال والأولاد ، التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده ، أو غفران سيئة أحصتها كتبته ، وحفظتها رسله ، لكان قليلاً فيما ترجون من ثوابه ، وتخشون من عقابه ، وتالله لو انماثت (١٧) قلوبكم انمياثاً ، وسالت من رهبة الله عيونكم
__________________________
(١١) الشفافة : بقيّة الماء واللبن في الإِناء . ( لسان العرب ـ شفف ـ ج ٩ ص ١٨١ ) .
(١٢) التمزز : شرب الشراب قليلاً قليلاً ومزّه : مصّه ، والمزّة : المرّة الواحدة . ( لسان العرب ـ مزز ـ ج ٥ ص ٤١٠ ) .
(١٣) الصدى : شدة العطش . . صدي فهو صديان . ( لسان العرب ـ صدي ـ ج ١٤ ص ٤٥٣ ) .
(١٤) شرب حتى نقع : أي شفي غليله وروي . ( لسان العرب ـ نقع ـ ج ٨ ص ٣٦١ ) .
(١٥) جأر . . جؤاراً : رفع صوته مع تضرع واستغاثة . ( لسان العرب ـ جأر ـ ج ٤ ص ١١٢ ) .
(١٦) التبتل : الإِنقطاع إلى الله تعالى وإخلاص النية . ( مجمع البحرين ـ بتل ـ ج ٥ ص ٣١٦ ) .
(١٧) مثت الشيء في الماء : إذا أذبته فانماث هو فيه انمياثاً ( مجمع البحرين ـ موث ـ ج ٢ ص ٢٦٥ ) .