منهم يقول : اعبدوا اللات والعزى ، وقائل منهم يقول : اعبدوا المناة الثالثة الأُخرى ، فقام إليهم رجل منهم من أهل الكتاب ، يقال له : ورقة بن نوفل ، فقال : يا معشر قريش ، أين تذهبون ؟ وأنّى تؤفكون ؟ فيكم بقيّة إبراهيم ( عليه السلام ) ، وسلالة إسماعيل ، فقالوا : كأنك تعني أبا طالب ، فقال : أجل ، فلم نلبث إذ خرج علينا أبو طالب من دار نسائه ، وعليه حلّة خضراء ، وكان رأسه يقطر من دهانه ، فقاموا إليه بأجمعهم وأنا منهم ، وقالوا : يا أبا طالب قد قحطت البلاد ، وأجدبت العباد ، فهلّم فاستسق بنا ، فقال : نعم موعدكم دلوك الشمس ، وقت هبوب الريح ، يعني بالدلوك الزوال ، فلمّا زالت الشمس ، فإذا بأبي طالب قد أقبل نحو الكعبة ، وحوله اغيلمة من بني عبد المطلب ، وفي وسطهم غلام كأنه شمس دجن ، إذا نفرت عنها غمامة قتما ، يعني رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، فأقبل أبو طالب حتى أسند ظهره إلى الكعبة في مستجارها ، ثم رمق السماء بعينه ، ولاذ باصبعه ، وحرّك شفتيه ، ونضنضت (٣) الأغيلمة حوله كذلك ، وما في السماء يومئذ قرعة ، فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا ، ونما ودنا ، وكثف وأوكف (٤) ، وأسجم واقتم (٥) ، واغدودق وأبرق ، واثعنجر (٦) واسحنفر (٧) ، ثم سحّ سحا ، أفعم منه الوادي ، وأخصب له البادي .
__________________________
(٣) نضنض لسانه : حرّكه ، الضاد فيه أصل وليست بدلاً من صاد كما زعمه قوم . ( لسان العرب ـ ج ٧ ص ٢٣٨ ) .
(٤) وكف الدمع والماء : سال ( لسان العرب ـ وكف ـ ج ٩ ص ٣٦٢ ) .
(٥) القتمة : سواد ليس بشديد ( لسان العرب ـ قتم ج ١٢ ص ٤٦١ ) .
(٦) اثعنجر : انصبَّ . ( لسان العرب ـ ثعجر ـ ج ٤ ص ١٠٣ ) .
(٧) اسحنفر المطر : كثر . . والمسحنفر : الكثير الصب الواسع ( لسان العرب ـ سحفر ـ ج ٤ ص ٣٥٢ ) .