ومهما يكن فقد تتابعت الردود من بقية العبادلة بما لم يعجب معاوية ، فشدّ الرحال وعاد إلى الشام فشلاً في مهمته وصار إلى القضاء على الإمام الحسن ( عليه السلام ) الّذي سمع الهتاف به وبأخيه من العبادلة ، كما قد سمعه من قبل من الأحنف بن قيس وربّما من غيره. فبدت دسائسه للتخلص من الحسن أوّلاً ، لأنّه إن نجح في أمره أحكم قناصته على ما بيده من أمر المسلمين ، وهان عليه أمر الباقين من معارضيه ، فإنّهم مهما أوتوا من حجة في الخصام وقوّة البيان في الكلام لا يخشى منهم حدّ الحسام ، وكان ابن عباس من رؤوس المعارضة فيما يراه معاوية ، ويعلم أنّه إنّما يصول ويجول يفعل ذلك لاسترداد الحقّ المهضوم ، وإعادته إلى صاحبه وهو الإمام الحسن ( عليه السلام ) الّذي سيرجع إليه الحكم لو مات معاوية في أيامه ، وهذا يعني إفلات الحكم من براثن الأمويين بعد أن تصيّدوه بأحابيلهم كما أفلت منهم بعد عثمان ، وهؤلاء ضباع لا تزال ترن في أسماعهم كلمة أبيهم أبي سفيان « تلقفوها يا بني أمية ... ».
ولقد أدرك الكاتب العصري المصري خالد محمّد خالد في كتابة أبناء الرسول في كربلاء البُعد الحقيقي لهدف معاوية حين قال : « فها هو ذا معاوية لا يكتفي باغتصابه الخلافة ، ثمّ لا يرغب وهو على وشك لقاء ربه في التكفير عن خطئه ، تاركاً أمر المسلمين للمسلمين ... بل يمعن في تحويل الإسلام إلى مُلك عضوض وإلى مزرعة أموية ، فيأخذ البيعة ليزيد كوليّ عهد له. يأخذها بالذهب وبالسيف » (١).
فعلى هذا التصور الميكافيلي عند معاوية يجب التخلص بكلّ الوسائل من رموز المعارضة وأولهم الإمام الحسن ( عليه السلام ).
____________________
(١) أبناء الرسول في كربلاء / ٢٠.