وأتاه بعد أيام وقد عزم على محاقته (١) فصلّى في الجامع يوم الجمعة ، واجتمع الناس عليه يسألونه عن الحلال والحرام والفقه والتفسير واحوال الإسلام والجاهلية وهو يجيب ، وافتقد معاوية الناس فقيل : إنّهم مشغولون بابن عباس ، ولو شاء أن يضربوا معه بمائة ألف سيف قبل الليل لفعل.
فقال : نحن أظلم منه حبسناه عن أهله ، ومنعناه حاجته ، ونعينا إليه أحبّته ، انطلقوا فادعوه ، فأتاه الحاجب فدعاه. فقال : إنا بني عبد مناف إذا حضرت الصلاة لم نقم حتى نصلي ، أصلي إن شاء الله وآتيه. فرجع ، وصلّى العصر وأتاه فقال : ما حاجتك؟ فما سأله حاجة إلاّ قضاها وقال : أقسمت عليك لما دخلت بيت المال فأخذت حاجتك ـ وإنّما أراد أن يعرف أهل الشام ميل ابن عباس إلى الدنيا فعرف ما يريده ـ فقال : انّ ذلك ليس لي ولا لك ، فإن أذنت أن أعطي كلّ ذي حقّ حقّه فعلت.
قال : أقسمت عليك إلاّ دخلت فأخذت حاجتك. فدخل فأخذ برنس (٢) خزّ أحمر يقال انّه كان لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ثمّ خرج ، فقال : يا أمير المؤمنين بقيت لي حاجة؟ فقال : ما هي؟ قال : عليّ بن أبي طالب قد عرفت فضله وسابقته وقرابته ، وقد كفاكه الموت ، أحبّ أن لا يشتم على منابركم. قال : هيهات يا بن عباس هذا أمر دَين أليس أليس؟ وفعل وفعل؟ فعدّد ما بينه وبين عليّ كرّم الله وجهه.
فقال ابن عباس : أولى لك يا معاوية والموعد القيامة ، ولكل نبأ مستقرّ وسوف تعلمون. وتوجه إلى المدينة ... اهـ » (٣).
____________________
(١) المحاقّة : المخاصمة واثبات حقه وانه أولى به.
(٢) البرنس ثوب يغطي الرأس والبدن كما هو لباس المغاربة في عصرنا.
(٣) كشف الغمة / ١٢٧ ط حجرية سنة ١٢٩٤ و ١ / ٤٠٣ منشورات الشريف الرضي.