وهذا لا يعني حضوره بالشام حين الوفاة ، بل ظاهر في غيره ، على أنّ في رواية حُميد الشهيد المتقدمة ما يشعر أنّ ابن عباس قدم الشام فمكث أياماً لا يصل إلى معاوية ثمّ وصل إليه ذات يوم ثمّ ذكر الحوار ، ولا يبعد عندي أنّ ابن عباس بعد أن حضر في المدينة موت الإمام وتجهيزه بادر بالخروج إلى الشام لإكمال رسالته في نصرة إمامه الجديد الحسين بن عليّ ( عليه السلام ) حيث سبق لمعاوية تمهيده البيعة لابنه يزيد ، ولا مانع من أن يكون دخل الشام مع دخول رسول مروان بخبر النعي إلى معاوية وتجاهل ابن عباس لمسائل معاوية هل تدري؟ هل تدري؟ لا يلزم منه عدم سبقه وعلمه بموت الإمام الحسن ( عليه السلام ). ولما ذكر له ذلك شامتاً انفجر مسترجعاً وموبّخاً إلى آخر ما جرى. على أنا لو أعملنا الوسائل عند التعارض لرجح حضور المدينة كما قدّمناه آنفاً.
ولا يفوتني التنبيه على ما مرّ من طلب ابن عباس رفع السبّ عن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، لأنّه يراه جزءاً من رسالته.
كيف لا وهو الّذي قال : بعثني رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى عليّ بن أبي طالب فقال له : ( أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة ، من أحبك فقد أحبني ، وحبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو الله ، والويل لمن أبغضك ) (١).
وهو الّذي يروي لقد سمعت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يقول : ( من سبّ عليّاً فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله ( عزّ وجلّ ) أكبّه الله على منخره ) (٢) فأراد أن يثبت عداوة معاوية لله ولرسوله بعداوته للإمام عليّ ( عليه السلام ).
____________________
(١) أخرجه أحمد في المناقب كما في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، للملا عليّ القاري ١١ / ٢٥٦ ط دار الكتب العلمية بيروت.
(٢) أخرجه أبو عبد الله الجلالي كما في مرقاة المفاتيح ١١ / ٢٥٦ واحسب ( الخلال ) هو الصواب.