بل على المسلمين جميعاً غيره ، حيث تجمعه والإمام قربى النسب ، ومشاركة في الحكم أيام خلافته ، ومجاهدة عدو مشترك على ارض الواقع ، فهو قد كان يرجو الخير للأمة بعد هلاك معاوية والإمام الحسن حيّ ، إذ سوف تعود الأمور إلى نصابها الصحيح ، ويتولى أمر الخلافة صاحبُها الشرعي ـ كما نصت عليه وثيقة الصلح ـ أما وقد ارتكب معاوية جريمته الشنعاء ، فقد ضرب الأمة بذلّ شامل سيبقي لها العار والشنار ، وستبتلي براعٍ مثل يزيد. وإذا ابتليت بذلك فعلى الإسلام السلام كما قال سيّد الشهداء الإمام الحسين بن عليّ ( عليه السلام ).
وستحيى فكرة تلاقف الكرة الّتي أوصاهم بها أبو سفيان. فهذا هو الذلّ أشار إليه ابن عباس في كلمته ، لأنّه أدرك أنّ الصراع بين الأمويين ومبادئ الإسلام سيرافقه بوائق الحكم الغاشم فيشيع الظلم والنفاق ، ويسلب الأمة محاسن الأخلاق ، وتحل المداهنة والتملق السياسي محل الكرامة والصرامة ، لرواج سوق الشرور عند الحاكمين والناس على دين ملوكهم ، وهذا الذل حقيقة حتمية أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى : ( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) (١).
وتوالت المحن على شيعة الإمام فقتل حجر بن عدي وسبعة نفر آخرين معه بمرج عذراء وهم الّذين أخبر عنهم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كما روت ذلك عائشة حين قالت لمعاوية وقد دخل عليها حين أتى المدينة : « يا معاوية أقتلت حجراً وأصحابه ، فأين عزب حلمك عنهم؟ أما إنّي سمعت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يقول : يقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السماوات » (٢).
____________________
(١) النمل / ٣٤.
(٢) أنظر تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠٦.