قال ابن عباس : فقد أبى ابن الزبير فأخرجت جائزة بني أسد ، وأبى عبد الله ابن عمر فأخرجت جائزة بني عدي. فما لنا إن أبى صاحبنا وقد أبى صاحب غيرنا؟ فقال معاوية : لستم كغيركم لا والله لا أعطيكم درهماً حتى يبايع صاحبكم. فقال ابن عباس : أما والله لئن لم تفعل لألحقن بساحل من سواحل الشام ثمّ لأقولنّ ما تعلم ، والله لأتركنّهم عليك خوارج فقال معاوية : لا بل أعطيكم جوائزكم فبعث بها من الروحاء ومضى راجعاً إلى الشام » (١) وقد فشل في سياسته من الضغط على الحسين ( عليه السلام ) عن طريق منع الهاشميين جوائزهم ، ولم يزدهم إلاّ تضامناً مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) في رفضهم بيعة يزيد وقد أخذها لهم ابن عباس لسانهم المعبّر عنهم وكبير شأنهم ، فأرغم معاوية على الإنصياع خاسئاً وهو حسير.
قال ابن أعثم في الفتوح ـ وقد ذكر نحو ما تقدم ـ ثمّ قال : « فتبسم معاوية وقال : بل تعطون وتكرمون وتزادون أبا محمّد. قال : ثمّ أمر معاوية لبني هاشم بجوائز سنية ، فكلٌ قبل جائزته إلاّ الحسين بن عليّ فإنّه لم يقبل من ذلك شيئاً » (٢).
والّذي يلفت النظر تكنية معاوية لابن عباس بأبي محمّد ، ولم يذكر ذلك أحد في كناه فقد كان يكنى أبا العباس باسم ابنه العباس وهو أكبر ولده (٣) ، على انّه كان له ولد اسمه محمّد ذكره ابن الكلبي في جمهرة النسب وقال : « لا بقية له » (٤). فلعلّه كانت ولادته في تلك الأيام فكنّاه معاوية باسمه استلطافاً واستدراجاً والله العالم بحقائق الأمور.
____________________
(١) الإمامة والسياسة ١ / ١٥٧.
(٢) الفتوح ٤ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥.
(٣) مرّّ بالجزء الأوّل ما يتعلق بهذا فراجع.
(٤) أنظر جمهرة النسب / ١٤٠.