على هويّته الناصبة ـ قد روى الخبرين معاً وتفاوت في نقله الجواب عن ابن عباس ، فهو إمّا أن يكون نطق بهذا أو بهذا ، فلماذا الاختلاف في نقل الجواب؟ وهذا الاختلاف يجعل رصيداً لمعاوية عند أحبابه ، فهو من الصحابة ، فلا يُسأل عمّا فعل ( دعه فإنّه قد صحب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم »!.
وهو كذلك مصيبٌ فيما فعل ( أصاب إنّه فقيه ) وقد مرّ بنا قول ابن حجر : « لأن ظاهر شهادة ابن عباس له بالفقه والصحبة دالة على الفضل الكثير » مع أنّ ابن عباس لم يكن نطق بهما معاً كما هو صريح الخبرين ، بل بأحدهما على تقدير صحة الخبر وأنّى ذلك؟ فلاحظ.
الثانية : منافاة تلك الشهادة المزعومة لجملة مواقف ابن عباس مع معاوية بدءاً من أوّل لقاء بينهما بعد صلح الإمام الحسن ( عليه السلام ) وقد مرّت الإشارة إليه ، وفي ذلك الموقف يقول ابن عباس لمعاوية : « لأنّه ـ يعني الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ مسلم وأنت كافر » ، فأين صارت الصحبة العاصمة؟ ثمّ من قرأ المحاورات الّتي كانت تجري بينهما طيلة عشرين سنة من حكم معاوية يجد أنّ ابن عباس لم يكن يرى لمعاوية أيّة حرمة فضلاً عن وصفه له بالفقه.
ومن ذا يصدّق بما في البخاري من خبر ابن أبي مليكة هذا ، ولابن عباس موقف يعلن استنكاره على معاوية في لبسه الحرير ، ويقول : « من عذيري من معاوية بن أبي سفيان أنا أقول له : قال رسول الله ، وهو يقول : وأنا لا أرى به بأساً » ـ كما ستأتي المحاورة بنصها في الحلقة الثانية في صفحة احتجاجاته ـ فلو كان يراه فقيهاً لاغتفر له ذلك لإجتهاده.
كما أنّه لعنه في قطعه التلبية يوم عرفة ولم يغتفر له ذلك ـ وقد مر ذكر ذلك.