الثالثة : ولنغضّ الطرف عن جميع ما مرّ ، ولنضع غشاوة على العيون لئلا نقرأ جرائم معاوية الّتي ارتكبها وكان ابن عباس ضده فيها ، ولكن هلم نتسائل من أنصار معاوية عن تخريج بعض أفعال معاوية فقاهةً :
١ ـ فهل كان الفقه يجيز له المطالبة بدم عثمان لأنّه ابن عمه ، مع وجود أبنائه وهم أولياء الدم إن كان لهم حقّ المطالبة؟ وقد مرّ بنا من أجوبة ابن عباس لمعاوية في مسألة دم عثمان في بعض محاوراته ممّا يغني عن الإعادة.
ومن المفارقات أن نجد الذهبي وغيره يروي أنّ ابن عباس قال في كلام له مع بعض سمّاره واسمه زهدم الجرمي : « وأيم الله ليتأمرنّ عليكم معاوية ، وذلك أنّ الله يقول : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ) (١) ». وهذا الخبر أورده الطبراني (٢) والهيثمي وعزاه للطبراني ، وقال : وفيه من لم أعرفهم (٣) ، وأورده ابن كثير (٤).
وهكذا تناقلته رواة التبرير مع رواياتهم أنفسهم لما يصادم ذلك من مواقف ابن عباس ضد معاوية في المطالبة بدم عثمان.
ورحم الله الأعمش فقد ذكر عنده معاوية وقالوا : كان حليماً فقال : كيف يكون حليماً وقد قاتل عليّاً وطلب ـ وزعم ـ بدم عثمان من لم يقتله؟ وما هو ودم عثمان ، وغيره كان أولى بعثمان منه ، وقال شريك القاضي : ليس بحليم من سفه الحقّ وقاتل عليّاً (٥).
____________________
(١) الاسراء / ٣٣.
(٢) المعجم الكبير ١٠ / ٢٦٣برقم ١٠٦١٣.
(٣) مجمع الزوائد ٧ / ٢٣٦.
(٤) البداية والنهاية ٨ / ١٣٠ ـ ١٣١.
(٥) أنظر البداية والنهاية ٨ / ١٣٠.