تلك المفتريات من الآفات الّتي تسقطها عن الاعتبار ، وقد يعظم على بعضهم أن يكون البخاري يروي بعضها في فضل معاوية وإن عنون باب ذكر معاوية.
ولكن هلم الخطب فيما وجدناه وأعظم من تلك الطامات في صحيح مسلم ممّا مر ما افتري به على ابن عباس ، ما رواه في فضل أبي سفيان والد معاوية ، إنّها لأحدى الكُبر. فاقرأ وتدبّر ، ولا تأخذك بهرجة الألقاب ، والإطناب في مدح إنسان أو كتاب ، وكأنّ الصحاح فيها الكذب مباح.
أخرج مسلم في صحيحه : « حدّثني عباس بن عبد العظيم العنبري وأحمد ابن جعفر المعقري قالا : حدّثنا النضر ـ وهو ابن محمّد اليمامي ـ حدّثنا عكرمة حدّثنا أبو زميل حدّثني ابن عباس قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : يا نبيّ الله ثلاث أعطنيهنّ ، قال : نعم ، قال : عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجها؟ قال : نعم ، قال : ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك؟ قال : نعم ، قال : وتومّرني. حتى أقاتل الكفّار كما كنت أقاتل المسلمين؟ قال : نعم.
قال أبو زميل : ولولا أنّه طلب ذلك من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ما أعطاه ذلك ، لأنّه لم يكن يُسأل شيئاً إلاّ قال : نعم ... اهـ » (١).
ومن حقنا الكلام تعقيباً منا على ذلك من جهات :
أوّلاً : فلندع جانباً المغالاة في الصحيحين سواء كان صحيح البخاري الّذي قيل فيه إنّه أصح كتاب بعد كتاب الله ، ومن روى عنه البخاري فقد جاز القنطرة ، أو كان صحيح مسلم الّذي قيل فيه : ما تحت أديم السماء أصح من كتاب
____________________
(١) صحيح مسلم ٧ / ١٧١ كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي سفيان بن حرب ط محمّد عليّ صبيح بمصر.