بدءاً من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في فتح مكة ، ومروراً بموقف العباس في إنجاء أبي سفيان من موت محقق ، فلولاه لاحتوشته يومئذ سيوف الله من كلّ جانب ، فقد أتى به مردفه معه على بغلة لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فاستأمن له. فمع هذه الأيادي البيضاء والقرابات من الأمهات كيف سيكون حال ابن عباس مع الحاكم الأموي المتغطرس وماذا ينتظره من صعلوك الأمس وقيصر اليوم؟ وهاهو اعتلى عرش الحكم ابتزازاً ، ليجعل منه عرش كسرى وقيصر ، وقد اتخذ منه مقصلة ليجزر عليها بني هاشم ومن يواليهم.
فلا شك أنّ ابن عباس لم يكن يتوقع الخير في ظل ذلك الحكم الغاشم ، ان لم يكن يتوقع المزيد من الشر ، لأن طبيعة الحاكم شر ، وهل يستدعي الشرّ إلاّ الشر.
وهنا نقطة أرى لزاماً عليّ تنبيه القارئ عليها. وهي أنّه لا يمكن لنا دراسة مواقف ابن عباس في العهد الأموي بشكل علمي وموضوعي بمعزل عن استذكار تاريخه في العهد العلوي ، وتبيّن آثاره وأفكاره ، لنرى مدى تأثير إستاذه ومعلمه وإمامه وابن عمه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الّذي تولى تربيته بعد ابن عمه الرسول الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فأودعه عملياً سيرته المثلى في مقارعة الظالمين ، وأنهله من صفو مبادئه ـ وكلّها صفو ـ ما كاد أن يكون نسخة مصغرة منه ، حيث بدت مواقفهما متشابهة في أكثر من ميدان وفي غالب الأحيان.
وبشيء من الدقة وبعيداً عن العاطفة ، فإنا نستطيع أن نرى ابن عباس في الفترة الّتي عاشها مع الإمام من قبل توليه الحكم ومن بعده أيام جهاده الناكثين والقاسطين والمارقين كان ساعده الأيمن ومستشاره الأمين ، حتى أنّ معاوية أشدّ الناس عداوة لهما كان يراه رأس الناس بعد الإمام ، كما مرّ بنا كتابه إليه في ذلك