موروث الإنتماء لدى الأبناء ، وهو الّذي كان يتنامى يوماً بعد يوم ، بالرغم من وجود ما يدعو إلى تناسي الترات وشدّ الأواصر المنافية ، كالمصاهرات والمصالح التجارية. لكن كلّ ذلك لم يُزل ما في النفوس من كامن الأحقاد عند تذكّر الآباء والأجداد ، فقد روي : « أنّ عقيل بن أبي طالب لمّا تزوج فاطمة بنت عتبة برغبة وبذل منها ، فكانت تبرمه بخلافها وتقول له يا بني هاشم لا يحبكم قلبي أبداً ، أين أبي؟ أين عمي؟ أين أخي؟ كأنّ أعناقهم أباريق فضة ، ترد آنافهم الماء قبل شفاههم. قال : إذا دخلتِ جهنم فخذي على شمالك ، فشدّت ثيابها وأتت عثمان فشكت عليه ، فبعث عبد الله بن عباس ومعاوية حكَمين ، فقال ابن عباس : لأفرّق بينهما ، وقال معاوية : ما كنت لأفرّق بين شيخين من قريش ، فلمّا أتياهما وجداهما قد أغلقا بابهما واصطلحا » (١).
كما لم تجدِ القرابات النسبية سبيلاً إلى إزالة الكوامن في الصدور ، فقد ذكر البلاذري في الأنساب : « أنّ صفية بنت حزن الهلالية هي أم أبي سفيان بن حرب وهي عمة لبابة بنت الحارث أم عبد الله بن عباس » (٢) ، كما روى أيضاً عن ابن عباس قال : « دخلت على أبي سفيان بن حرب وهو يتغدى ، فذكرت له حاجتي ثمّ قلت : فما منعك من أن تدعوني إلى غدائك؟ فقال إّنما وضع الطعام ليؤكل ، فإن كانت بك إليه حاجة فكل » (٣).
وهذا منتهى البخل والعذر أقبح من الفعل.
ولو استعرضنا جميل بني هاشم على بني أمية وأياديهم البيضاء لطال بنا الحديث ، وحسب القارئ أن يعلم أنّ صنائع المعروف الّتي أسداها الهاشميون
____________________
(١) الدرجات الرفيعة / ١٦٤ ط الحيدرية.
(٢) أنساب الأشراف ١ق ٤ / ٣.
(٣) نفس المصدر / ١٠.