واضطرب معاوية في روايته أضطراباً فاحشاً حتى كان الناس ينكرون ذلك عليه ، فمن شواهد اضطرابه : قال في رواية عند أبي داود في صحيحه والطبراني في المعجم : « في حجته » (١) وهذا ما أربك شرّاح الصحيحين ، حيث أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان في حجة الوداع قارناً فلم يحل هو إلاّ بالحلق؟ بعد أداء مناسك الحج في منى. بينما أمر من كان معه ممّن لم يسق معه الهدي أن يحل ، وكان منهم الزبير فأحل وسطع المجمر بينه وبين زوجته أسماء ، وهو أوّل مجمر سطع يومئذ ، وبذلك كان رد ابن عباس على عبد الله بن الزبير في أيامه حين أنكر على ابن عباس فتياه بالمتعة فقال له : « سل أمك عن بردي عوسجة » ، وستأتي المحاورة بطولها في الحلقة الثانية إن شاء الله. فكيف يزعم معاوية أنّه قصّر من شعر رأس رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عند المروة في حجته؟ إن هذا إلاّ اختلاق.
ولرفع الإصر عنه فقد تمحّل غير واحد في توجيه ذلك ، فقال الألباني في ضعيف أبي داود : « إنّ ذلك ـ يعني ( في حجته ) ـ ضعيف » (٢) ، وهذا منه دفع بالصدر من دون بيان حجة.
وقال النووي والطيبي : « إنّ ذلك ـ يعني تقصير معاوية لشعر رأس رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ـ كان في عمرة الجعرانة » (٣). لأنّ عمرات النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كانت أربعاً معدودات معلومات وهي : عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة ، وعمرة التمتع إلى الحج مع حجة الوداع ، ولمّا كان معاوية لم يسلم في العمرتين الأوليين ، وإنّما أدرك العمرتين الأخيرتين لأنّه من مسلمة الفتح ، لذلك رأى النووي والطيبي أنّ خبر معاوية إنّما هو في عمرة الجعرانة ، وهذا لو صح لما كان معنى
____________________
(١) المعجم الكبير ١٩ / ٢٦٧ ط الثانية.
(٢) ضعيف سنن أبي داود / ١٤٢ مكتبة المعارف الرياض.
(٣) أنظر فتح الباري ٤ / ٣١٣ ط مصطفى البابي الحلبي وأولاده سنة ١٣٧٨.