أمّا الآن إلى أكذوبة افتراها معاوية نفسه ليزعم لنفسه نحو خدمة قام بها للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فيتبجح بها على من لا دربة له بحقيقة الحال ، وبلغت القحة به أن استشهد عليها ، وبالأحرى طلب تصديق زعمه من ابن عم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عبد الله بن عباس ، ليكون ذلك له سنداً فيما افترى. ولكن باء بالفشل ، بل ساءه ما حصل ، حيث كشف ابن عباس حقيقة كان معاوية ينكرها وهي مسألة التمتع بالعمرة إلى الحج فألزمه بها لو صح زعمه. وإليك الحديث عن تلك الفرية :
أخرج البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وأحمد والروداني والبيهقي وغيرهم في دواوينهم الحديثية ، وكلّ منهم رواه أكثر من مرة وبأكثر من صورة ، حتى أنّ أحمد روى ذلك أكثر من عشر مرات ، وفي جل الصور يقتصرون على صدر الخبر ويحذفون ما قاله ابن عباس في آخره. لماذا؟ لأن ابن عباس الذكي الألمعي لم تخف عليه فرية معاوية ، فبدل أن ينتزع منه معاوية تصديقه ، بادره ابن عباس بدحض فريته ثمّ بإدانته.
فلنقرأ ذلك بلفظ مسلم في صحيحه قال ابن عباس : « قال لي معاوية أعلمتَ أني قصّرت من رأس رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عند المروة بمشقص؟ فقلت : له لا أعلم هذا إلاّ حجة عليك » (١).
فهذه رواية عند مسلم وإذا قارناها مع رواية عند النسائي نجد فرقاً واضحاً في جواب ابن عباس فقد روى النسائي بسنده : « قال معاوية لابن عباس : أعلمتَ أني قصَرت من رأس رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عند المروة؟ قال : لا ، يقول ابن عباس : هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة ، وقد تمتع النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) » (٢).
____________________
(١) صحيح مسلم ٤ / ٥٨ كتاب الحج ط صبيح بمصر.
(٢) سنن النسائي ٥ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥.