ذكر ابن عباس مع النفر المذكورين. إلاّ أنّ البلاذري قال : « وكتب يزيد إليه ـ إلى ابن عباس ـ كتاباً يأمره فيه بالخروج إلى الوليد بن عتبة ومبايعته له وينسبه إلى قتل عثمان والممالأة عليه ، فكتب ابن عباس إليه أيضاً كتاباً يقول فيه : إنّي كنت بمعزل عن عثمان ، ولكن أباك تربّص به وأبطأ عنه بنصره ، وحبس مَن قَبلَه عنه حين استصرخه واستغاث به ، ثمّ بعث إليه الرجال معذّراً حين علم أنّهم لا يدركونه حتى يهلك » (١).
ويبدو من هذا الجواب الّذي صح عندي أنّه لم يبايع ليزيد إلى حين الكتاب ، ولو أنّ البلاذري قد ذكر لنا كتاب يزيد وتمام جواب ابن عباس لتبيّن ما هو أفصح وأصرح وإن كان فيما ذكره ما كشف عن زيف ما تقدّم منّا ذكره نقلاً عن البلاذري وابن قتيبة من خبر مبايعته وبيّنا أنّه لم يصح سنداً ولا دلالة ، وأنّه تمسك به بعض الباحثين ورأى مبايعته ليزيد ، ولعل ما أغراه به ذكر ابن قتيبة له من دون التفات إلى ما في خبره من هنات ومهما يكن فقد توجّس ابن عباس الشر كلّ الشر في حكومة يزيد ، وزاد في قلقه مواقف بقية رجال المعارضة الّتي اختلفت أهدافُهم ، فبين راغب كابن عمر وراهب كابن الزبير ، ومستنكرٍ رافض لكل العروض والمغريات كالإمام الحسين ( عليه السلام ) فهو ابن أبيه في إنكار المنكر ودحض الباطل ، لا تأخذه في الحقّ لومة لائم. وابن عباس كان ـ مع انّه اليائس المتشائم ـ يقارب الحسين ( عليه السلام ) في موقفه الهادف لتحقيق العدالة ، ولكن يأسه من الناس أضمَر من عزيمته ، وفقدانه لبصره أوهى من شكيمته ، فصار إمّا أن يصول بيد جذّاء أو يصبر على طخية عمياء ، كحال ابن عمه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فيما سلف من الأيام. وعنده في خزين علمه
____________________
(١) أنساب الأشراف ١ق ٤ / ٣٠٦ تح ـ احسان عباس.