بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنّهم لم يصنعوا شيئاً ، فلم يعجل الله عليهم ، ثمّ أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر ذي انتقام؟ فاتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتي ، واذكرني في صلاتك ، فوالذي بعث جدي محمداً بشيراً ونذيراً لو أنّ أباك عمر بن الخطاب أدرك زماني نصرني كما نصر جدي ، ولقام من دوني كقيامه من دون جدي.
يا بن عمر فإن كان الخروج معي يصعب عليك ويثقل فأنت في أوسع العذر ، ولكن لا تتركنّ لي الدعاء في دبر كلّ صلاة. ثمّ أقبل على عبد الله بن عباس.
وقال له : وأنت يا بن عباس ابن عم أبي ، ولم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك ، وكنت مع أبي تشير عليه بما فيه الرشاد والسداد ، وقد كان أبي يستصحبك ويستنصحك ويستشيرك وتشير عليه بالصواب ، فامض إلى المدينة في حفظ الله ، فلا تخفي عليَّ شيئاً من أخبارك ، فإنّي مستوطن هذا الحرم ومقيم به ، ما رأيت أهله يحبونني وينصرونني ، فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم ، واستعصمت بالكلمة الّتي قالها إبراهيم يوم ألقي في النار ، حسبي الله ونعم الوكيل ، فكانت النار عليه برداً وسلاماً.
فبكى ابن عباس وابن عمر ذلك الوقت بكاء شديداً ، وبكى الحسين معهما ، ثمّ ودّعهما فصار ابن عباس وابن عمر إلى المدينة » (١).
____________________
(١) تاريخ ابن أعثم ٥ / ٣٨ ـ ٤٤ ط دار الندوة.
وهذا الخبر بطوله رواه الخوارزمي في مقتل الحسين ١ / ١٩٠ ـ ١٩٣ نقلاً عن أبن اعثم وما حكاه عنه أصح من المطبوع من فتوحه ط دار الندوة بيروت.