وهواه ، يكاتمنا مع ذلك أضغانا يسرّها في صدره يوري علينا وري الزناد ، لا فكّ الله أسيرها فارء في أمره ما أتيت رأيه.
وأمّا الحسين فإنه لما نزل مكة وترك حرم جده ومنازل آبائه ، سألته عن مقدمه فأخبرني أنّ عمّالك في المدينة أساؤا إليه وعجّلوا عليه بالكلام الفاحش ، فاقبل إلى حرم الله مستجيراً به ، وسألقاه فيما أشرت إليه ، ولن أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ، ويطفئ به الثائرة ، ويخمد به الفتنة ، ويحقن به دماء الأمة ، فاتق الله في السر والعلن ، ولا تبيتنّ ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة ، ولا ترصده بمظلمة ، ولا تحفر له مهواة ، فكم من حافر لغيره حفراً وقع فيه ، وكم من مؤمّل أملاً لم يؤتَ أمله ، وخذ بحظك من تلاوة القرآن ونشر السنّة ، وعليك بالصيام والقيام ، لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها ، فإنّ كلّ ما شغلت به عن الله يضرّ ويفنى ، وكلّ ما اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع ويبقى والسلام » (١).
هذه صورة الكتابين ، وقد رواهما السبط عن الواقدي وعن الكلبي كما ذكرهما ، وروايته أتم ممّا رواه ابن سعد والطبري فضلاً عن المتأخرين الّذين أخذوا عنهما. ويبدو أنّ السبط حصل على بعض كتب الواقدي وهشام بن محمّد الكلبي ، كما يبدو أنّ اختزالاً متعمداً عند ابن سعد والطبري ، وإلى القارئ صورة ما ذكره ابن سعد في طبقاته.
قال ابن سعد في الطبقات : « وكتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس يخبره بخروج الحسين إلى مكة : ونحسبه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمنّوه الخلافة ، وعندك علم منهم خبرة وتجربة ، فإنّ كان فعل فقد قطع واشج القرابة ، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه ، فاكففه عن السعي في الفُرقة.
____________________
(١) التذكرة / ٢١٦.