فإنّ الأمر الّذي قلنا إنّه غير مقبول ولا معقول هو مشورة ابن عباس على الإمام الحسين بالرجوع إلى مكة والدخول في صلح بني أمية. وهو ما عقبته بعلامات التعجب والاستفهام استنكاراً له ، إذ لم يرد في أي مصدر مقبول أنّ ابن عباس أشار بمثل ذلك ، وإنّ في الخبر : « وأشار عليه بالرجوع إلى مكة » فذلك يعني أنّ الحوار جرى في الطريق بعد مغادرة الحسين مكة فلحقه ابن عباس وجرى بينهما ما تقدم. وهذا أيضاً لم يرد في أيّ مصدر مقبول فلاحظ!
وأظن ـ وظن الألمعي يقين ـ أنّ وهماً من وقع الراوي فخلط بين ابن عباس وبين ابن عمر ، فإنّ المشير بالصلح هو ابن عمر كما في الملهوف ، قال السيّد ابن طاووس : « وجاءه عبد الله بن العباس وعبد الله بن الزبير فأشارا عليه بالإمساك فقال لهما : إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد أمرني بأمر وأنا ماض فيه ، قال : فخرج ابن العباس وهو يقول : واحسيناه ، ثمّ جاء عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال وحذّره من القتل والقتال.
فقال : يا أبا عبد الرحمن أما علمت أنّ من هوان الدنيا على الله تعالى أنّ رأس يحيى بن زكريا أهدي إلي بغيّ من بغايا بني اسرائيل؟ أما تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الشمس سبعين نبياً ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً؟ فلم يعجّل الله عليهم ، بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام. اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدع نصرتي » (١).
أقول : وقد تقدم هذا بصورة أوسع عن الفتوح لابن أعثم فراجع خروج الحسين من المدينة إلى مكة وإقامته بها.
____________________
(١) الملهوف لابن طاووس / ٢٦ ـ ٢٧.