وأمّا اعتذار بعض الباحثين ممّن أجلّه معذّراً بأنّهم ربما كانوا صغاراً ، قول تعوزه الدقة في المعرفة التاريخية ، فإنّ في أبناء ابن عباس من ناهز العشرين سنة بل جاوزها. كابنه العباس الأعنق وبه كان يكنى وهو أكبرهم ، أمّا أصغرهم فابنه عليّ ـ والد العباسيين ـ فإنّه ولد قبل شهادة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبارك الإمام لأبيه ولادته وهو الّذي سماه عليّاً ، وله بينهما محمّد والفضل وعبيد الله وزاد المسعودي عبد الرحمن (١) ، فهم كلّهم له قابلية حمل السلاح ويتوجه عليه التكليف ، وقد شملتهم دعوة الحسين ( عليه السلام ) في كتابه الآنف الذكر. هذا كلّه إذا احتملنا أنّهم كانوا بالمدينة ، ولم يكونوا بمكة مع أبيهم ، خصوصاً وإنّ أباهم كان إليه أمر السقاية وهم في موسم الحج وهو بحاجة إلى بعض ولده ممّن يساعده في الإشراف على إدارة شؤون السقاية وتدبير أمرها خصوصاً بعدما كفّ بصره.
ولو تنزلنا عن هذا أيضاً وعدنا إليهم في المدينة ، أما كان عليه أن يرسل عليهم فيحضرهم ليذهبوا مع الحسين فينالوا شرف المفاداة؟ وهكذا يبقى السؤال ناقص الإجابة ، عصيّ التعذير ، وحيّ التقصير ، والله العالم بحقائق الأمور.
وكان ابن عباس على جانب من المودة والمصافاة مع الحسين ( عليه السلام ) ما يبعد عنه سوء الظن والتقصير ، وكذلك كان الحسين ( عليه السلام ) يوليه عطفاً لطفاً ويسديه نصيحة ، حتى روى ابن عباس قال لي الحسين بن عليّ ( عليه السلام ) : « يا بن عباس ، لا تتكلمنّ بما لا يعنيك فإنّي أخاف عليك الوزر ، ولا تتكلمن بما يعنيك حتى ترى له موضعاً ، فربّ متكلم قد تكلم بحقّ فعيب ، ولا تمارين حليماً ولا سفيهاً ، فإنّ الحليم يقليك ، والسفيه يرديك ، ولا تقولنّ خلف أحد إذا توارى عنك إلاّ مثل ما تحب أن يقول
____________________
(١) مروج الذهب ٣ / ١٠٩.