وعلى هذا النحو من الترغيب والترهيب كان كتابه الآخر الّذي رواه ابن قولويه بعد الكتاب السابق وبنفس السند إلى محمّد بن عمرو ، وهو سند صحيح ، ورواه محمّد بن عمرو عن كرام عبد الكريم بن عمرو عن ميسر بن عبد العزيز عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « كتب الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ من كربلا : من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ ومَن قِبلَه من بني هاشم : أمّا بعد فكأنّ الدنيا لم تكن وكأنّ الآخرة لم تزل والسلام » (١).
فهذان الكتابان لا تشمل دعوتهما الترغيبية والترهيبية لابن عباس ، لأنّه أوّلاً كما قلنا كان مكفوف البصر ، وثانياً فان عنوانهما إلى محمّد بن عليّ ومَن قبله من بني هاشم ، وهو يومئذ كان بالمدينة ، وابن عباس حين كتابة الأوّل كان مع الحسين بمكة وهو غير مشمول بالدعوة.
أمّا جواب السؤال الثاني لماذا لم يرسل بعض أولاده مع الحسين ( عليه السلام )؟ فهو يشارك الأوّل في صعوبة تجنبه ، وتستعصي الإجابة عنه بالتعذير ، فإنّ الكتاب الّذي ذكرنا أنّ الحسين ( عليه السلام ) أرسله من مكة إلى محمّد بن عليّ ومن قبله من بني هاشم الّذين كانوا بالمدينة ، لا شك في انّه دعوة ترغيبية للإلتحاق بركبه الحسيني ، والتخلف عنه بغير عذر شرعي غير فائز بعظيم الأجر ، لأنّه لم يبلغ مبلغ الفتح ، وعلى هذا فإنّ بني هاشم الّذين كانوا بالمدينة ولم يلحقوا بالحسين ( عليه السلام ) هم أولى بالتقصير منهم بالتعذير ، وأولاد ابن عباس الّذين كانوا بالمدينة من جملة أولئك غير المعذّرين.
ويبقى اللوم ـ إن صح التعبير ـ متوجهاً إلى أبيهم ـ فهو إن كان معذوراً لأنّه مكفوف البصر ، أما كان الأجدر به أن يصنع مثل صنع ابن جعفر حين أرسل ابنين من ولده مع الحسين لنصرته؟
____________________
(١) نفس المصدر.